كان حظي جيّدا، أمس، وأتاح لي لقاء أديب أريب تجاذبت معه أطراف الحديث عن المدرسة الجزائرية في السبعينيات والثمانينيات، ففاجأني وهو يعرض عليّ الكتب المدرسية الأنيقة، بأحرفها المرقومة، وخطوطها الأنيقة، وألوانها الزاهية، فرحنا نطالع بعض النّصوص من هنا وهناك، ويتملكّنا الفخر تارة، ونحسّ بالإحباط تارة أخرى.. ولقد تذاكرنا الأيام الخوالي، وكيف كان المتمدرس يكتسب آليات الحساب الذهني، ويعالج المنطق الرياضي، ويكتسب معلومات غزيرة وفق منهج واضح يتدرّج به نحو «المعرفة» إلى أن يصبح فاعلا في المجتمع بما يوافق ما تسوقه إليه أقداره ومواهبه..
فارقت الأديب الأريب تساورني أسئلة عديدة عن حال المغبونين من المتمدرسين الذين صاروا يضطرّون إلى استعمال الآلة الحاسبة، وضاعت عليهم الذائقة اللّغوية، وانكمشت في رؤوسهم الأفكار المعبّرة، ثم ألحّ عليّ السؤال حول طبيعة هذا التّدهور الرهيب الذي نعيش.. ما الذي حدث حتى أصبح الخطأ الشّنيع يتسلّل إلى الكتاب المدرسي دون مساءلة؟! وهل نساير التطور العالمي فعلا حين نتخلى عن «الإملاء» و»التعبير» و»المحادثة»؟!.. لماذا نتخلى عن نصوص يوسف غصوب وكامل الكيلاني وزهور ونيسي وآخرين كثيرين شعراء وأدباء كبارا، كي نضع بدلها نصوصا مجهولة الهوية، مشوّهة، دون توقيع؟! ثمّ، كيف نساير العالم حين نخرج أجيالا لا تعرف حتى ترتيب رسالة إدارية، كانت مبرمجة في السنة الثالثة الابتدائية؟!
وتبلغ حيرتنا منتهاها حين نسمع من ينوّه بالجهود المنيرة، ويرحّب بالنتائج الحسنة، ويزهو بنسب النجاح العالية، مع أنّنا جميعا نعلم بأن المستوى «تدهور» بشكل مرعب، ونراه يسير بيننا في الأسواق حين نقرأ لافتات الأسعار، ونكتشف أن أصحابها غير واعين بمنطق الأعداد، بل إن كثيرين لا يعرفون حتى حساب (الصّرف)، ويتعاملون مع زبائنهم بمنهج (زهرك يا زهّار).. إذا وقفت هذا الموقف، لا تسل كيف كنّا..
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق