تصرّ الدول الغربية على الاستماتة في سنّ العقوبات الثقيلة، الاقتصادية والرياضية والثقافية على موسكو، بهدف الضغط بشكل قوي، في وقت يتمّ فيه التساؤل.. من يتضرّر أكثر الغرب أم روسيا؟.. لأنه ينظر للأزمة الأوكرانية، على أنها أسفرت عن سلاح اقتصادي ثقيل يصوب على روسيا، غير أنه في الحقيقة سلاح ذو حدين سيؤثر على جميع الأطراف، خاصة بعد أن خرج صندوق النقد الدولي من صمته، واعترف أن العقوبات على روسيا سوف تدمّر الاقتصاد العالمي. فروسيا بلد كبير جدا ويعتقد العديد من الخبراء أن الرئيس بوتين يدرك جيدا عندما قرّر التدخل عسكريا في أوكرانيا حجم التحديات التي سيواجهها بلده من عقوبات وعزلة، وحضّر بدائل ليتغلّب مع ظروف جديدة تبدو جد قاسية.
تغيّرت مؤشرات الأسواق العالمية للمواد الأولية والغذاء وجعلت الأسعار في مستويات قياسية مقلقة، في وقت ينبعث تفاؤول شديد من موسكو المقتنعة بأن العقوبات الصارمة التي تطالها سوف تسقط من تلقاء نفسها، لأن الاقتصاد العالمي لا يمكنه أن ينعزل عن روسيا، وفوق ذلك لن تقف موسكو وأثريائها مكتوفي الأيادي بل سيتجهون نحو أروقة المحاكم لكسر خطط العقوبات، ويعولون كثيرا على المعركة القضائية لتقويض الخسائر بما فيها تحريك دعوى قضائية بخصوص توقيف مشروع «نورد ستريم2» الاستراتيجي.
أوروبا التي تتحمل عبء أزمة لاجئين، انخرطت في قرار فرض العقوبات لكنها قلقة وغير مرتاحة، على خلفية أن روسيا خامس شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، ولعلّ من بين الأوراق المهمة التي تحوزها موسكو في معاملاتها مع منطقة الأورو ورقة الغاز والنفط، ذلك أن التكتّل الأوروبي يزود على 26 بالمائة من حاجياته النفطية و40 بالمائة من حاجياته من الغاز من روسيا كذلك وتحتاج الدول المستوردة إلى وقت زمني معتبر لتجدّ موردين جدد يضمنون لها تدفق الكميات التي تحتاجها.
تجتهد بريطانيا التي انفصلت عن الاتحاد الأوروبي في الرفع من حدة العقوبات على غريمتها روسيا لأنها أقل تأثرا من الدول الأوروبية الأخرى، في حين يجري الحديث من الجانب الروسي أن المناعة الروسية في القطاعات الاقتصادية والمالية الإستراتيجية كبيرة وستكون بالمرصاد، في ضوء تحضيرها لبدائل أقامتها لمواجهة الحصار الاقتصادي والمالي، فهل فعلا الاقتصاد العالمي مقبل على كبح جديد لن يتعافى منه بسهولة؟.
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق