تفاءل العالم بعض الشيء، ببداية العودة إلى معدّل نمو يضع حدّا للمشكلات المتعلقة بجائحة كورونا التي تركت آثارا جلية على الاقتصاد العالمي، الأمر الذي لم يدم طويلا حيث بدأ في التهاوي من جديد، والابتعاد عن القيمة المرتقبة جرّاء تأزّم في الأوضاع الدولية، هزّ أركان العالم.
إنّ ميلاد وضع اقتصادي جديد تميّز بتعافي أسعار البترول، وتحقيق مداخيل أكثر من الجباية البترولية سمحت بتعافي الميزان التجاري وميزان المدفوعات تقابله في نفس الوقت تهديدات ستأتي من الزيادات الكبيرة في أسعار المواد الغذائية، يحدث ذلك في ظرف يتطلّب السوق الوطني خلاله استقرارا أكثر من حيث الوفرة والأسعار، خاصة ونحن نستعد لاستقبال شهر رمضان الكريم.
أوضح الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي، في اتصال بـ «الشعب الويكاند» أنّ استمرار الأوضاع العالمية المتأزّمة، سينجر عنها مشكل في التموين من المواد الغذائية يقابله ارتفاع في الأسعار يصل إلى أضعاف ما هي عليه، حيث قفزت هذا الأسبوع، أسعار القمح اللين من 270 دولار/ طن إلى أكثر من 400 دولار/ طن، أي ما يعادل الضعف. نفس الشيء بالنسبة لمادتي الذرة والصوجا، ومن المرجح أن تنتقل العدوى إلى باقي المواد الغذائية كالأرز والبقوليات.
الأزمة، يضيف كاوبي، مسّت كذلك العديد من المواد والمدخلات المستعملة في الصناعات الغذائية، وبالتالي فإنّنا ننتظر ارتفاعا محسوسا في أسعار الحليب واللحوم، وكل ما يدخل في المنتجات ذات الصلة بمدخلات المواد الغذائية.
بالنسبة للمواد المصنّعة التي تستعمل الطاقة في إنتاجها، ستعرف هي الأخرى زيادة ملحوظة في أسعارها على غرار الحديد، الذي زاد سعره بأكثر من 12 بالمائة، حيث سجل ارتفاعا من 128.000 دينار إلى أكثر من 145.000 دينار في اليومين الأخيرين.
ويتوقّع الخبير كاوبي أزمة غذائية ستمس العديد من البلدان، خاصة المستهلكة لمادة القمح بالدرجة الأولى بالنظر إلى استحواذ أوكرانيا على 30 بالمائة من إنتاج هذه المادة عالميا، حيث استند الخبير الاقتصادي إلى مثال مصر التي تعتمد بشكل كبير في صناعاتها على مادة القمح، حيث تعتبر مصر أكبر مستورد ومستهلك لمادة القمح على المستوى العالمي.
نفس الشيء تعرفه الشقيقة تونس، التي بادرت فورا إلى اتخاذ قرار استباقي من أجل الحد من استهلاك المواد التي تدخل في صناعتها الحبوب ومشتقاته، كإجراء استباقي للحفاظ على توازن صادراتها ووارداتها.
ما يجب قوله وما هو مطمئن، ولو مؤقتا، هو أنّ المخزون الجزائري الحالي من مادة القمح يكفي لأفق محدود لا يتجاوز الأربع أشهر، حيث سنواجه بعد ذلك أزمة أسعار. في أوضاع كهذه وحتى لا تكون هناك مضاربة ولا يفتح المجال للمضاربة، يجب التريث وضبط النفس والتصرف بحكمة من خلال القول إنّ القمح اللين الذي يدخل في صناعة الخبز، والقمح الصلب الذي يدخل في صناعة العجائن بصفة عامة موجود، ويغطي حاجيات السوق لمدة أربع أشهر على الأقل.
مع دخول شهر رمضان المبارك، يواصل كاوبي، نرتقب تذبذبا في توفر المواد الغذائية التي يزداد الطلب عليها خلال هذا الشهر وارتفاع ملحوظ في أسعارها، كمدخلات الحلويات، الحبوب الجافة والفواكه حيث لاحظنا بداية اختفائها في الأسواق، وإن وجدت فسيكون ذلك بكميات غير كافية وبأسعار مرتفعة.
ويحذّر ذات المتحدّث من أن الأوضاع الاقتصادية ستزداد تأزّما كلما طال عمر الأزمة في الأسابيع القادمة، مؤكدا إن عودة الأمور لسابق عهدها سيستلزم وقتا طويلا يصل إلى ستة أشهر.
ما زاد الأزمة تأزّما هو أنّها تأتي في توقيت غير مناسب، تدهور فيه الاقتصاد العالمي وتكبّد خسائر فادحة بسبب تعطل منظومة الإنتاج العالمي بأكملها، وزيادة في أسعار الشحن خاصة وفي حالة بقاء الأمور على حالها دون أي بوادر للانفراج، فإنّ العدوى ستنتقل إلى المنتجات الغذائية البديلة كالأرز وغيرها من المواد.
الأسعار الحالية للطاقة كالغاز الذي يعتبر مدخلا أساسيا في عملية الإنتاج والبترول، الذي يعتبر هو الآخر مدخلا أساسيا في صناعة بض المواد، ستعرف هي الأخرى ارتفاعا غير مسبوق، إلى جانب ارتفاع أسعار الالكترونيات.
ومن المنتظر أن تعرف الجزائر الأشهر القادمة زيادة في وارداتها من مادتي القمح والذرة والصويا، وأيضا من المدخلات الأساسية للزيوت الذي سيصل إلى 11 مليون طن من القمح والذرة. ويمكن للاقتصاد الوطني أن يتفادى أي صدمة في حال اتّخذت قرارات استباقية لضمان التموين، وإعداد العدة من أجل تنظيم عمليات التوزيع على المستوى المحلي.
ويأمل الخبير استخلاص الدّروس من جائحة كورونا في تسيير الأزمات، ما سيمكّن السلطات العمومية من إعادة ترتيب البيت، ووضع الأطر التمويلية والإنتاجية.