قرّرت السّلطات العمومية تحمّل تبعات ارتفاع كلفة الغذاء عالميا، بمواصلة دعم المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك وحماية المواطن من تقلبات الأسعار المرتبطة بعوامل خارجية، وأخرى داخلية، يغذّيها جشع المضاربين، ولهفة غير مبرّرة من المستهلك خاصة في المواعيد والمناسبات الدينية، حيث يكثر الطلب على المنتجات والمواد الغذائية.
حرص السّلطات العمومية واضح للحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية، وحماية المواطن من لعنة الأسعار التي تلاحقه بسبب ومن دونه، وبالرغم من المعطيات الاقتصادية التي تشير إلى تعقيدات تخص تأمين الغذاء بسبب استمرار تداعيات جائحة والوضع الدولي المتأزم في شرق أوروبا، تجتهد الجزائر لتأمين احتياجات شعبها، عن طريق إجراءات استثنائية، خاصة وأنّنا مقبلين على شهر رمضان المعظم، حيث يكثر الطلب على المواد الغذائية، وترفع النّفقات.
يفصل مدير تنظيم الأسواق والنشاطات التجارية والمهن المقننة أحمد مقراني في حديث مع «الشعب ويكاند»، في برنامج تموين الأسواق الوطنية، قبل وبعد رمضان، بمختلف السلع والمواد الغذائية والزراعية، المنتجة محليا أو المستوردة.
لجنة مشتركة واجتماعات دورية
أوضح مدير تنظيم الأسواق والنشاطات التجارية والمهن المقنّنة بوزارة التجارة، أنّ وزارة التجارة شرعت في سلسلة من الإجراءات والترتيبات تحسّبا لحلول شهر رمضان الكريم، منذ 27 ديسمبر 2021، حيث تمّ تنصيب اللجنة الوزارية المكلفة بالتحضير لهذا الموعد الديني، وكذا «المالي» بالنسبة للمواطن والحكومة على حد سواء، من أجل ضمان التموين المنتظم للسوق خاصة بالمواد ذات الاستهلاك الواسع.
وتمّ في هذا الإطار، عقد عدّة اجتماعات خصت جميع الشّعب المهنية المتمثلة في شعبة الحليب، الخضر والفواكه، اللحوم الحمراء والبيضاء وشعبة الحبوب والحبوب الجافة، وتضم اللجنة ممثلين عن قطاع التجارة، الفلاحة، الصناعة، وممثلين عن الدواوين العمومية للضبط والتوزيع، وكذا ممثلين عن الجمعيات المهنية للتجار والحرفيين والجمعيات الوطنية لحماية المستهلك، إذ تجتمع كل أسبوعين وتعمل على توفير كل الظّروف الملائمة من أجل تموين منتظم للسوق من المواد الغذائية أو الفلاحية بما فيها اللحوم الحمراء والبيضاء والخضر والفواكه.
عرض آخر التّحضيرات
من المنتظر أن تعقد اللجنة اجتماعها التقييمي الأخير منتصف شهر مارس الجاري، سيجمع كل الشعب المهنية تحت رئاسة وزير التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق، حيث سيتم عرض آخر التحضيرات المتعلقة بتموين الأسواق وضبط الأسعار.
ويتضمّن برنامج وزارة التجارة عدة محاور، أهمها ضمان التموين المنتظم للسوق، تحضير ودعم عمليات الرقابة، إنشاء الأسواق الرمضانية أو ما يسمى بأسواق الرحمة، التحضير لبرمجة الحملات التحسيسية والتوعوية لفائدة المواطنين والتجار على حد سواء، وبعد ذلك التحضير لمداومة عيد الفطر المبارك.
بالنسبة للمحور الأول، المتمثل في ضمان التموين المنتظم للسوق، يقول مقراني «إنّ التقييم لحد الآن إيجابي، ومؤشّرات تموين السوق بالمواد الغذائية أو الفلاحية مطمئنة، وكل الترتيبات والاحتياطات قد اتّخذت طرف السلطات العمومية».
وأكّد أنّ النظام الرقمي المتواجد على مستوى وزارة التجارة وترقية الصادرات سيسمح بمتابعة وتنسيق يومي مع كل القطاعات لضبط مستويات تخزين المنتجات الأولية من أجل ضمان تموين منتظم للسوق المتمثلة في مسحوق الحليب المستعمل في صنع الحليب المعلب في أكياس ذات 25 دينارا، السكر الأحمر المستعمل في صنع السكر الأبيض، الزيت الخام المستعمل في صنع الزيت الغذائي، القمح الصلب والقمح اللين المستعمل في صنع السميد والفرينة الموجهين سواء للخبازة أو للاستعمال المنزلي.
كما تتابع المصالح الوزارية لذات القطاع، مستويات إنتاج هذه المواد على مستوى كل الوحدات الإنتاجية، حيث تحوز حاليا على كل شبكات الوحدات الإنتاجية لهذه الوحدات، وهي الملبنات التي بلغ عددها 15 ملبنة عمومية، 109 وحدات خاصة ما مجموعه 125 ملبنة بين عمومية وخاصة المتعاقدة مع الديوان الوطني المهني للحليب «أونيل»، الذي يزودها بحصص شهرية من مسحوق الحليب تقدّر بـ 14579 طن / الشهر.
بالنسبة لشبكة إنتاج القمح اللين والقمح الخشن، سجلنا 428 مطحنة لإنتاج الفرينة، و155 مطحنة لإنتاج السميد، و6 وحدات إنتاجية على المستوى الوطني بالنسبة لمادتي الزيت والقمح.
مخزون السكر يكفي أربعة أشهر
المخزون المتوفر من مادة السكر الخام، حسب آخر تحيين للإحصائيات المتوفرة على مستوى وزارة التجارة وترقية الصادرات التي تعتبر مطمئنة في مجملها، وتشير إلى تحكّم في الوضع بما يضمن تغطية حاجيات لأربعة أشهر، ولا داعي للتخوف من نقص هذه المنتوجات.
ويؤكّد أحمد مقراني، باتخاذه القرار الصّائب الذي يقضي بتجميد كل الضرائب والرسوم على المواد الواسعة الاستهلاك بعنوان قانون المالية 2022، حيث كان من الممكن أن يصل سعر السكر إلى 130 دينار لو بقي الرسم على القيمة المضافة لهذه المادة يساوى 9 بالمائة وحقوق جمركية تقدّر بـ 5 بالمائة.
كما أكّد أنّ الأسعار ستبقى مستقرّة بفضل الحفاظ على وفرة المخزون على مستوى الوحدات الإنتاجية الكبرى بكل أريحية، والسهر الدائم للمصالح الوزارية لقطاع التجارة على تفادي التذبذبات كالتي عرفتها مادة الزيت لأسباب عديدة بفضل تضافر الجهود، وتوسيع مجال استيعاب معطيات النظام الرقمي على مستوى وزارة التجارة لتشمل كل شبكات التوزيع وإعادة تحيين هذه الأخيرة، الأمر الذي مكّن من احتواء مشكل ندرة الزيت من خلال التحكم في شبكات التوزيع بعد تحديد كل المتدخلين، حيث تمتلك كل وحدة إنتاجية مجموعة من الموزعين المعتمدين مع تحديد البلديات والولايات التي يتم تغطيتها.
للإشارة، فقد بلغ الاحتياج الوطني المطلوب لاستقرار السوق من مادة الزيت، حسب ذات المصدر، 1600 طن، واكتشفت وزارة التجارة أنّ الوحدات الإنتاجية كانت تنتج 4330 طن شهريا، ما يتجاوز ضعفي الاحتياج الوطني.
وفي هذا الصدد، فنّد مقراني الشّائعات المتعلقة بندرة مادة الزيت التي انجرّت عنها حملة اقتناء غير مسبوقة من طرف هذا المنتوج.
وأشار مقراني إلى أنّه بفضل التزام المنتجين بتوجيهات السلطات العمومية أهمها مضاعفة الإنتاج الذي تدعّم بفضل دخول الوحدة الإنتاجية للجزائر العاصمة «المحروسة» بطاقة إنتاج تقدر بـ 700 طن في اليوم، إلى جانب دخول وحدة عمومية ثانية بمدينة جيجل، مكّن من القضاء نهائيا على مشكل ندرة الزيت.
وتطمح وزارة التجارة في تصدير المادة الخام، حسب تصريحات وزير التجارة وترقية الصادرات، مقابل ذلك تشجّع بعض المتعاملين الاقتصاديّين بمعسكر، وهران، ببجاية وجيجل بالقيام على طحن البذور الزيتية، وبقايا الصوجا التي تستعمل في تغذية الأنعام ممّا سيسمح لنا بتخفيض تكلفة فاتورة استيراد هذه الأخيرة.
تحايل في جني البطاطا واستيرادها استثناء
بالنسبة للخضر والفواكه، يوضّح مقراني أنّ متابعة تقديرات ومستويات الإنتاج تكهّنت بجني 200.000 طن من البطاطا الاستهلاكية على مستوى ولاية مستغانم.
كما رخّصت السلطات العمومية منذ يومين باستيراد كميات استثنائية من هذه المادة لدعم السوق وكسر الأسعار، سيتم تحديد كمياتها في اجتماع سيعقد بداية الأسبوع المقبل، وحوالي 214.000 طن من مادة الطماطم التي يكثر عليه الطلب خلال شهر رمضان، إضافة إلى التدابير التي اتّخذتها وزارة الفلاحة والتنمية الريفية التي تخزّن في إطار نظام ضبط المواد ذات الاستهلاك الواسع «سيربالاك».
وأكّد مقراني أنّ مصالح وزارة التجارة تتابع بدقة عملية تخزين البطاطا الاستهلاكية نظرا لشح السوق من هذه المادة خلال شهري مارس وأفريل، حيث تلجأ الدولة إلى احتياطي المخزون لتفادي زيادات كبيرة في سعر هذه المادة، وهو ما تمّت ملاحظته مؤخرا على مستوى الأسواق، وهناك مشروع لتخزين المزيد من هذه المادة.
في هذا السياق، أكّد مدير التنظيم أنّ الجهود متواصلة من أجل دفع الفلاحين، خاصة بمنطقة الوادي لتكثيف عملية الجني للحفاظ على استقرار الأسعار.
وقال هناك «معلومات مؤكّدة تفيد بوجود نوع من التحايل لإبطاء عملية الجني للإبقاء على ارتفاع هذه الأخيرة»، وهو ما دفع بالسّلطات العمومية – يضيف – إلى الترخيص باستيراد كميات استثنائية لتدعيم السوق وكسر الأسعار، تأكيدا على عدم ادّخار الدولة لأي مجهود من شأنه ضبط السوق، والحفاظ على القدرة الشّرائية للمواطن.
مع العلم أنّ سعر تكلفة الكيلوغرام الواحد من البطاطا، حسب المهنيّين، لا يتجاوز 40 دينارا باحتساب هامش الربح يصل معدل السعر بين 65 إلى 70 دينارا، وهو سعر جد معقول بالنظر إلى ارتفاع أسعار البذور، ونقص المساحات المزروعة بسبب الجفاف الناتج عن شح الأمطار، ما أثّر على مردود هذه المادة الاستهلاكية.
كما أكّد مقراني أنّ الجهود متواصلة بالتنسيق مع وزارة الفلاحة والمجلس الوطني المهني والمتعدّد المهن للبطاطا والاتحاد العام للفلاحين الجزائريين، من أجل ضبط السوق من خلال محاربة اللوبيات المجهولة المصدر التي تتلاعب بالإنتاج والأسعار. كما اتّخذت وزارة التجارة وترقية الصادرات مجموعة من الإجراءات لمحاربة المضاربة وردع المضاربين.
رفع الحظر عن استيراد اللّحوم المجمّدة
بالنّسبة للحوم الحمراء واللحوم البيضاء، قال مقراني، إنّ وزارة الفلاحة منحت رخصا صحية من أجل استيراد 29.000 رأس من الأبقار، ما يعادل 14500 طن من اللحوم الحمراء، وذبح مرتقب لمليون رأس من الأغنام، ما يعادل 30.000 طن من اللحوم الحمراء، إضافة إلى تموين من طرف الولايات الجنوبية يصل إلى حوالي 10.000 طن ليصل المجموع الإجمالي إلى 54.000 طن من اللحوم الحمراء.
في هذا الصدد، قام مجمّع «اقرولوغ» من خلال الجزائرية للحوم الحمراء التي شرعت منذ ما يقرب شهر في عملية استيراد الأبقار الموجّهة مباشرة للذبح.
وتجدر الإشارة إلى أنّ استيراد الأبقار الحيّة سيضمن استمرارية الآلة الإنتاجية للمذابح العمومية الكبرى الثلاث، وهي مذبح حاسي بحبح بالجلفة، مذبح بوقطب في الجلفة ومذبح بعين مليلة بأم البواقي مع ضمان فرص العمل على مستوى هذه المذابح، إلى جانب الاستفادة من جلودها ومشتقات عمليات الذبح.
كما أقرّت منذ يومين السلطات العمومية باستيراد 3000 طن من اللحوم المجمّدة، العملية بعد ما كانت ممنوعة سابقا، وستوكل هذه المهمّة إلى كل من مجمّع الجزائرية للتبريد والجزائرية للحوم الحمراء.
350 دينار سعر اللحوم البيضاء في أسواق التّجزئة
فيما يخص اللّحوم البيضاء، فقد تمّ توفير 47.000 طن من اللحوم البيضاء، من بينها 10.000 طن تتكفل بها الديوان الوطني لتغذية الأنعام توزع عبر 150 مركز بيع و37.000 طن يوفّرها القطاع الخاص.
الأسعار يراها مدير التنظيم «معقولة» مقارنة بالأشهر الثلاث السابقة، حيث أنّ سعر التكلفة قدّر بـ 290 دينار، وبالتالي سعر الجملة سيكون في حدود 320 دينار، أمّا سعر التجزئة فسيكون في حدود 350 دينار ما يسمح بالحفاظ على هامش ربح المربين والقدرة الشرائية للمواطن.
للتّوضيح، فإنّ الزّيادات في أسعار تعود إلى عدّة عوامل أبرزها تأزّم الوضع الدولي وبوادر أزمة عالمية اقتصادية، ما أدّى إلى زيادة أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية.
اقتناء كميات معتبرة من القمح تحسّبا لأي طارئ
يحرص البرنامج الرّقابي لوزارة التجارة وترقية الصّادرات، على توفير الحبوب، واحترام الأسعار المقنّنة والمسقّفة، حيث بلغ دعم الدولة لأسعار القمح اللين 4500 دينار / القنطار، في انتظار دخول نظام الدعم المباشر حيّز الخدمة حفاظا على الطابع الاجتماعي. يرجع ذلك إلى زيادة في أسعار النقل البحري، التي تضاعفت بما يفوق الأربع مرات ما أثر بشكل مباشر في سعر التكلفة العديد من المتوجات الصناعية والغذائية، أهمها القمح بنوعيه اللين والصلب.
وبغية التحكم في تموين السوق من هذه المادة، توجد لجنة على مستوى الديوان الجزائري المهني للحبوب، ذات خبرة كبيرة في مجال الشراء، تضم العديد من ممثلي مختلف القطاعات، مهمّتها تتبّع مستجدات السوق، كما تمتلك بنك معلومات للمموّنين.
اضطر الديوان مؤخّرا إلى تغيير في دفتر الشروط يشمل أوروبا الشرقية، كما قام قبيل الحرب بشراء كميات معتبرة بأسعار تنافسية تحسّبا لأي طارئ، ما سيمكّنه من تمويل مطاحن السميد بـ 117.000 قنطار/ يوميا ومطاحن الفرينة بـ 31.700 قنطار يوميا.
أسواق الرّحمة تعود
قرّرت وزارة التجارة فتح أسواق تجارية جوارية 15 يوما قبل حلول الشهر الفضيل، وتمديد نشاطها إلى أسبوع ما بعد عيد الفطر المبارك حفاظا على الخدمة العمومية، للمساهمة في تدعيم القدرة الشرائية للمواطنين بتوفير المنتجات ذات الاستهلاك الواسع أو تلك التي يكثر عليها الطلب خلال الشهر الفضيل بأسعار معقولة من جهة، ومن جهة أخرى السماح للمتعاملين الاقتصاديين بالترويج لمنتجاتهم وتشجيع الإنتاج الوطني.
وتسعى مصالح التجارة إلى تعميم هذه الأسواق التجارية الجوارية عبر كامل دوائر الولايات، لتشمل أكبر عدد من البلديات 1541، مع التركيز على الكثافة السكانية والنسيج التجاري، مع دراسة إمكانية تجميعها على مستوى مقرات الدوائر التي تتضمن بلديات محاذية لها، إلى جانب برمجة عمليات البيع بالتخفيض والبيع الترويجي خلال هذه الفترة.
كما سيتم إشراك الدواوين العمومية للضبط والتوزيع في تدعيم تموين المواطنين لاسيما فيما يتعلق بتوفير البطاطا الاستهلاكية واللحوم الحمراء والبيضاء، مع التأكيد على ضرورة تحسيس كل المتعاملين الاقتصاديّين العموميّين والخواص على المشاركة المكثفة في هذه الأسواق، ومساهمة الجمعيات المهنية للتجار والحرفيين في إنجاح تنظيم هذه الأسواق.