أبرز الباحث والمؤرخ محمد قدور جوانب عديدة تظهر حنكة وعبقرية الوفد الجزائري المفاوض في اتفاقيات “ايفيان”، وكيف تفطن لمحاولات التأثير على المفاوضات، خصوصا عندما حاول الجانب الفرنسي لعب أوراق عديدة، مثل قضية فصل الصحراء عن الشمال وفرض مفاوضات متعددة الأطراف..
قال الباحث في التاريخ محمد قدور، في منتدى مؤسسة “الشعب” بمناسبة الذكرى الـ 60 لعيد النصر 19 مارس 1962، هذا الأربعاء، في مداخلة حول اتفاقيات “إيفيان” وعبقرية الوفد الجزائري المفاوض، إن الحديث عن مفاوضات “ايفيان” يقودنا للإجابة عن تساؤلات عديدة: هل كانت هذه المفاوضات قدرا محتوما على الجزائر، وهل كان الطرف الجزائري مستعدا ؟ وهل كان يوجد من يواجه فرنسا بسياسييها وتجذرها دوليا ؟
واستهل محمد قدور مداخلته بالحديث عن حنكة الطرف الجزائري المفاوض، من إبداء ديغول بعد أقل من سنة من توليه الحكم، استعداده للتفاوض مع الجزائريين، لكنه: “كان يسعى إلى معرفة مدى استعداد الجزائريين، ومن سيتفاوض معهم”.
اتفاقيات “ايفيان” بين الجزائر وفرنسا الموقعة في 19 مارس 1962، سبقتها مفاوضات مراطونية، انتهج فيها الوفد الجزائري – حسب المتحدث- خطة عبقرية “من خلال تغييرات تكتيكية في الحكومة، إذ عُين كريم بلقاسم وزيرا للخارجية وسعد دحلب أمينا عاما للحكومة، فيما أسندت وزارة الداخلية للخضر بن طوبال، إضافة إلى إنشاء وزارة التسليح والاتصالات.. وكل هذه التغييرات لم تكن اعتباطية.”
ويشرح الباحث في تاريخ الجزائر: ” التكتيك الجزائري أتى بثماره خاصة ما تعلق بتعيين كريم بلقاسم وهو رجل ميدان على رأس وزارة الخارجية، وفي هذه النقطة بالتحديد أراد الطرف الجزائري أن يبعث برسالة مفادها نتفاوض بالبندقية”.
وعلى صعيد آخر، أشار المتحدث إلى التحركات الكثيرة للوفد الجزائري على المستوى الدبلوماسي، سواء في هيئة الأمم المتحدة أو في لقاءات مع مسؤولين حكوميين دوليين، مثل اللقاء الذي استقبل فيه خروتشوف، كريم بلقاسم رغم أن الحكومة الروسية لم تكن تعترف آنذاك بالحكومة المؤقتة.”
أما من الجانب الفرنسي، قال محمد قدور إن فرنسا حاولت أن تلعب على أوراق عديدة، منها خلاف “الباءات الثلاثة” مع الحكومة، وتابع قائلا: ” لكن قادة الحكومة والثورة خرجوا بوحدة أكثر مما كانوا عليه في السابق.”
ويبرز المصدر حنكة الوفد الجزائري المفاوض قبل التوقيع على اتفاقيات “ايفيان”، في التصدي لمحاولة فرنسا فرض منطقها في المفاوضات، لاسيما في قضايا هامة، رفض المفاوضون الجزائريون التنازل عنها، مثل قضية الصحراء الجزائرية، تخلي جيش التحرير الوطني عن السلاح، وتوجيه المفاوضات نحو مائدة مستديرة..
وتابع قوله: ” أهم جانب تفطن له الطرف الجزائري، محاولة فرنسا فرض مفاوضات متعددة الأطراف، في خطوة كان يُراد منها دفع البلاد نحو حرب أهلية بعد الاستقلال”.
من جهة أخرى، تحدث الضيف عن الجوانب الاقتصادية لمفاوضات “ايفيان”، وقال: ” الوفد الجزائري لم يترك أي زاوية، وكان يستعين بخبراء اقتصاد”، كما أشار إلى وجود مفاوضات سرية قادتها الحكومة السويسرية: ” وهنا نتحدث عن مصداقية الوفد الجزائري لدى المسؤولين السويسريين، بعد أن كانت هناك وساطة جزائرية لتحرير رعية سويسرية كانت محتجزة لدى السلطات في غانا”.