«لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، المصلحة وحدها دائمة» هذه المقولة تنطبق بحذافيرها على المستجدّات التي تعرفها العلاقات الأمريكية الفنزويلية.
فبعد توتّر وصل إلى درجة القطيعة الدبلوماسية والخنق الاقتصادي، برزت في الأيام الأخيرة مؤشّرات «تقارب» بين واشنطن وكاركاس أثارت علامات استفهام كثيرة حول هذا التحوّل الذي جسّدته الزيارة المفاجئة لوفد أمريكي رفيع المستوى إلى العاصمة كاراكاس نهاية الأسبوع الماضي.
الزّيارة أثارت بالفعل انتباه وتعجّب الجميع لأنّها جمعت بين دولتين كادت أن تنشب بينهما مواجهة عسكرية قبل نحو ثلاثة أعوام، حيث حاولت الولايات المتحدة الأمريكية الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو الذي لم تعترف بإعادة انتخابه عام 2018، ورصدت مكافأة قدرها 15 مليون دولار للقبض عليه، بعد أن وجهت إليه لائحة اتهام تشمل الإرهاب، وتهريب المخدرات، والفساد، واختارت المعارض خوان غوايدو بديلا له،
ومن جهته لم يكن مادورو يترك مناسبة إلا ويتّهم فيها الولايات المتحدة بالاستعمار والاستغلال، ومحاولة التدخل بشكل سافر في الشؤون الداخلية لفنزويلا،
وانتهى التوتر بقطع كاراكاس العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن عام 2019، وفرضت الأخيرة حزمة عقوبات قاسية على فنزويلا ولاسيما حظر استيراد النفط منها، وكانت الولايات المتحدة المشتري الرئيسي للنفط الفنزويلي.
فما الذي ساهم في تحريك المياه الجامدة وإذابة الجليد، لنشهد هذا التقارب وفي هذا الوقت بالذات بين العدوين اللّدودين؟
الجواب ببساطة هي المصلحة التي لا تحدّها حدود ولا تقف في طريقها حواجز، فأمريكا ومن منطلق إدراكها للانعكاسات التي تخلفها العقوبات المفروضة على روسيا، خاصة ما تعلّق بحظر صادرات الذهب الأسود، سارعت إلى طرق أبواب فنزويلا لتأمين إمداداتها من النفط قبل أن يسبقها إليه أحد، وكاراكاس من جهتها تريد علاقة أفضل مع واشنطن تقود إلى تحريرها من العقوبات، لهذا سارعت إلى فتح أبوابها لأمريكا واستقبلت وفدها بالأحضان.
وكان مادورو ودودا ومرحّبا على غير العادة، حيث عرض الأسبوع الماضي غصن الزيتون على واشنطن، من خلال التلفزيون الرسمي، وقال عن اجتماع المسؤولين الفنزويليّين والأمريكيّين بالعاصمة كاراكاس، نهاية الأسبوع الماضي: «ارتفعت أعلام الولايات المتحدة وفنزويلا، كان شكلهما جميل حقا، وهما متجاوران كما ينبغي»، مضيفا «حان الوقت للدبلوماسية والحقيقة والسّلام».
هكذا أمريكا دائما، المصلحة هي أساس تعاملاتها مع العالم، تعرف كيف تتفادى المصاعب والعقبات، وتستفيد من كل الفرص والظّروف دون الالتفات إلى المبادئ والقيم والقوانين.