يعود الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، اليوم الخميس، ويستمر إلى الفاتح أفريل المقبل، بعد سنتين من الغياب بسبب التداعيات التي فرضها وباء كورونا، وتتزامن هذه العودة مع احتفال “سيلا” بمرور ربع قرن من الثقافة والمعرفة منذ إطلاقه عام 1996.
يستقطب المعرض الدولي للكتاب في طبعة الـ 25، عدد كبير من الناشرين، خاصة بعد قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، القاضي بمنح الأروقة مجانا للعارضين، وهذا للتخفيف من حدة الأزمة التي ضربت قطاع النشر بسبب كورونا.
وينتظر أن يسجل “سيلا 2022” حضورا كبيرا للجمهور وعشاق الكتب، بعد توقف الحركة الثقافية في الجزائر، لقرابة الثلاث سنوات، وبالتالي فالكثير من الجامعيين خاصة والأكاديميين في حاجة إلى تجديد أرصدتهم من الكتب والمؤلفات المختلفة.
ويشكّل الصالون الدولي للكتاب، علامة عودة الحياة الثقافية للواجهة بعد ثلاث سنوات من حضر فرضته جائحة كورونا، فيما يعتبر “سيلا”متنفسا كبيرا للناشرين ومهنيي الكتب، والمثقفين، بوصفه أكبر تظاهرة ثقافية في الجزائر.
ويتزامن تنظيم الطبعة الـ25 من المعرض، أيضا، مع احتفال الجزائر بمرور 60 سنة على استقلال الجزائر، مما يشّكل فرصة كبيرة ليكون حاضنا للكتاب التاريخي والنقاشات التي ينتظر أن تستقبلها مساحات وقاعات قصر المعارض حول الثورة والتاريخ.
“طبعة استثنائية في ستينية الحرية”
قالت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، “إن صالون الجزائر الدولي للكتاب ليس مجرد معرض للعناوين الجديدة والمطلوبة في شتى مجالات المعرفة، وليس فضاء للقاء ثقافي وتحاور علمي فحسب، وليس وسيلة لعرض وتوزيع الكتب من قبل الناشرين، إنه يكاد يكون الوجه الجزائري الثقافي كله مركزا في بضعة أيام، فقد ارتبط موعده لسنوات بأنه الدخول الأدبي والثقافي للجزائريين، وينتظر الناشرون والكتاب والشغوفون اقتراب الصالون لتقديم الجديد والاطلاع عليه”.
وأوضحت مولوجي، أن التجول في أجنحة الناشرين الجزائريين والعرب والعالميين هو فخر بهذا المنتوج الإنساني المعرفي، الذي يتجسد في آلاف العناوين في مختلف الحقول.
وثمّنت المسؤولة الأولى عن قطاع الثقافة بالجزائر، مجهود الكتاب والأدباء الجزائريين، وقالت:” ..أود أن أرفع التحية للكتاب والأدباء الجزائريين الذي قدموا صور إبداعية مبهرة وزرعوا الأدب الجزائري في العالم، وكذلك للمؤلفين والباحثين والأكادميين الذين أنتجوا عصارات معرفية في مجالاتهم، وأعتبرهم الضمان الحقيقي لإثبات الهوية الثقافية الجزائرية”.
وقالت وزيرة الثقافة: “نستشف في هذا الصالون نسائم الحرية، خاصة ونحن نحتفل بالذكرى الستين لاستقلال الجزائر، ولا شك أن الجميع لمس مدى تعلق القارئ الجزائري بكتاب التاريخ، وهو تعلق مرتبط بالعلاقة القوية بين الجزائريين ولحظة الكفاح والاستقلال، إنها لحظة تأسيسية وبنائية في الشخصية الجزائرية”.
عرض 300 ألف عنوان
ينتظر أن تعرف الطبعة الـ 25 من الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، عرض 300 ألف عنوان في شتى المجالات، فيما تم التحفظ على 185 عنوان، لأنها تمس بالهوية والدين والجمهورية ويسيء بعضها للأطفال من خلال رسومات وصور.
وسطرت محافظة “سيلا” برنامجا خاصا طيلة أيام الصالون تتعلق بالكتاب وتشمل 58 ولاية، حيث قررت الاحتفال بالكتاب يكون وطنيا، وتحتضنه مختلف الفضاءات العمومية التابعة للوزارة بكل الولايات، إضافة إلى تنظيم ورشات ميدانية في القراءة والرسم، وتقديم نشاطات رسم وترفيه لفائدة للأطفال بالبلديات النائية، فضلا عن تنظيم لقاءات مع الكتاب المحليين.
وتشمل هذه الأنشطة الثقافية أيضا معارض الكُتب من رصيد المكتبات الرئيسية للمطالعة العمومية في الساحات العمومية والأحياء ومعارض الكتاب في بعض المحطات البريّة، فضلا عن برمجة ورشات القراءة والكتابة والتلخيص، وكذا زيارات ميدانية لفائدة تلاميذ الأطوار التعليمية للتعريف بالرصيد الوثائقي للمكتبات القطاع وخدماتها.
وتعرف الطبعة الـ25 من سيلا، مشاركة 1250 دار نشر تمثل 36 دولة من مختلف قارات العالم، إلى جانب 266 دار نشر جزائرية، وحضور ضيوف من داخل الوطن منهم الحبيب السايح وعبد المالك مرتاض.. وغيرهم، إلى جانب شخصيات ثقافية عربية يتقدمها الروائي الأردني جلال برجس والكاتبة الكويتية بثينة العيسى.
إيطاليا ضيف شرف الصالون
وتستقبل الدورة الخامسة والعشرون من صالون الكتاب للجزائر هذه السنة إيطاليا كضيف شرف، ما يعكس الامتداد الثقافي للعلاقة بين البلدين، وكذا السعي لتعزيز العلاقات الثنائية على أعلى مستوى في الدولة، فضلاً على الجسور الثقافية الغنية القائمة على امتداد التاريخ المشترك.
وكشف مديرة المعهد الثقافي الإيطالي بالجزائر “أنتونيا غراندي” المرفقة بـ”أونتونيو بوفتي” نائب رئيس البعثة بسفارة إيطاليا بالجزائر، إنّ دولتها سطرت برنامجا ثريا خاصا بمشاركتها في معرض الجزائر الدولي للكتاب.
وينتظر أن يستعرض البرنامج التراث والثقافية الإيطالية لقاء حول “الرواية التاريخية” مع ستيفانيا أوتشي، مؤلفة رواية “أسود صقلية” من تنشيط الكاتبة والصحفية باولا كاريدي، إضافة إلى لقاء حول “ترجمة الروايات الجزائرية في إيطاليا وترجمة الروايات الإيطالية في الجزائر”، وكذا طاولة مستديرة حول” حرب التحرير ومساندة الشعب الإيطالي للقضية الجزائرية” بمشاركة برونا بانياتو صاحبة كتاب “إيطاليا وحرب التحرير الجزائرية”.. وغيرها.
حضور قوي لمؤسسات وهيئات ثقافية
إضافة إلى البرنامج المتنوع، تساهم مؤسسات ثقافية وهيئات رسمية في الصالون بلقاءات ومحاضرات ومعارض وورشات متعلقة بالثقافة والتاريخ والأدب والتراث وغيرها من المجالات.
وسيعرف جناح وزارة الثقافة والفنون تنظيم ندوات حول “حضور الذاكرة الوطنية في الأدب الجزائري” وأخرى عن “دور الترجمة في استعادة الأدب الجزائري المهاجر” إضافة إلى ندوة حول “تنظيم سوق الكتاب في الجزائر” من خلال شرح النصوص التطبيقية لقانون الكتاب.
وستنظم الوزارة على هامش المعرض نشاطات بـ 58 ولاية تحت شعار “الكتاب فـي الشارع” وهذا من خلال المكتبات الرئيسية للمطالعة العمومية وملحقاتها وتحت إشراف مديريات الثقافة حيث ستعرف إقامة معارض وورشات وحملات تحسيسية للتشجيع على القراءة ولقاءات مع الكتاب المحليين.
من جهتها، برمجت المحافظة السامية للأمازيغية إقامة ملتقى علمي حول الخريطة اللغوية والثقافية في الجزائر فيما ستنظم المكتبة الوطنية الجزائرية مداخلتين حول الإيداع القانوني وكذا رقمنة الوثائق النادرة.
أما المجلس الأعلى للغة العربية فسيحضر بالصالون بمحاضرة حول “منجزات وآفاق” المجلس، في حين أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف والمجلس الإسلامي الأعلى برمجا محاضرات موضوعاتية.
استذكار لراحلين من رواد الثقافة والنشر
وتقف الطبعة الـ 25 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب بالجزائر، عند عديد الأسماء الفكرية والثقافية التي رحلت في السنوات الأخيرة، محدثين فراغا كبيرا خاصة في مجال النشر الذي بات الراحل منه مفقود لا يمكن تعويضه، وهذا تكريما وعرفانا بالجهود الكبيرة التي قدّمها هؤلاء الراحلون في مجال النشر والكتاب.
ومن بين هؤلاء، الكاتب والباحث الجزائري خليفة بن عمارة (1947 – 2021)، واحد من فقيدي الساحة الفكرية في الجزائر، والذي أثرى المكتبة الوطنية و العربية بـ12 كتاباً تنوّعت بين الرواية، القصّة القصيرة والدراسات التاريخية.
أيضا المجاهد عمار قرفي، الذي هو قامة فكرية و ثقافية أخرى ترحل عن الساحة منتصف العام 2021، عن عمر يناهز 86 سنة بعد معاناته من مرض عضال. وقد ولد الراحل بتاريخ 8 أكتوبر 1935 في مسقط رأسه في ولاية باتن، وأسس الفقيد دار “الشهاب” للطباعة والنشر، التي صدرت عنها مؤخرا مذكراته بعنوان “قرفي عمار المدعو حميد من المقاومة المسلحة إلى جبال الولاية الأولى التاريخية -مسار الفدائي الماجد”.
إضافة إلى تكريم الراحل الشيخ عبد الله بنور، صاحب دار “الإمام مالك” للنشر والطباعة الكائن مقرّها في ولاية البليدة، وعضو المنظمة الوطنية لناشري الكتب، إسم آخر فقدته الجزائر منصف العام 2021، وقد توفي صاحب دار الإمام مالك للطباعة والنشر، إثر إصابته بفيروس كورونا.
ويكرّم الصالون الدولي للكتاب أيضا، الراحل الأستاذ محمود بن مرابط، مؤسس ومدير دار نشر “بن مرابط”، رحل عن الساعة الثقافية الجزائرية نهاية العام 2020، على إثر وعكة صحية، إضافة للراحل مناف السائحي مدير منشورات “السائحي”، توفي في 12 أوت 2021 ، عن عمر ناهز 53 عاما متأثرا بتداعيات فيروس كورونا.
من جهة أخرى، سيخصص تكريم استثنائي للكتاب الشهداء مثل أحمد رضا حوحو الذي أغتيل في 1956 بقسنطينة، والعربي التبسي والربيع بوشامة، عبد الكريم العقون، محمد الأمين العمودي ومولود فرعون.