بلغت العلاقات الدّولية مستوى من التدهور لم تشهده من قبل، خاصة منذ تولّي عدد من الطّائشين الحكم باسم الديمقراطية، وصاروا يجدون متعة في اللّهو بالتّصريحات غير المسؤولة، والتّعبير عن مواقف خالية من المنطق، ممعنة في اللّغو، لا حجّة لهم فيها سوى ما تتمتّع به بلدانهم ممّا يعتقدون أنّه «القوّة» التي تسمح لهم بـ «العبث» مع من يشاؤون، وقتما يشاؤون، على أساس أنّهم يخدمون مصالح شعوبهم، ولو على حساب مقتضيات الشّرعية الدّولية، ومتطلّبات حقوق الشعوب في العيش الآمن.
ولا يختلف الموقف الإسباني من قضية الشّعب الصّحراوي، فقد انقلب على عقبيه، وراح يشجّع سياسة الهروب إلى الأمام، ملقيا وراء ظهره طموح شعب كامل إلى الاستقلال والعيش الكريم، ولم يهتمّ في هذا كلّه إلاّ بمصالحه الضيّقة، ومطامحه الصّغيرة، بل إنّ الطّرف الإسباني لم يقدّر حتى مسؤوليته التّاريخية عن المأزق الذي ألقى بالشّعب الصحراوي إلى أتونه، وراح يتلبّس بلبوس «صانع الحلول»، مع سابق علمه بأنّ الحلّ الذي ينبغي أن يمتثل له الجميع، نطقت به الأمم المتحدّة، ولم يتبق أمام الجميع سوى الانصياع لما تُجمع عليه الهيئة الأممية، بعيدا عن المناورات السياسوية، التي لا تفيد شيئا أمام حق الشّعب الصّحراوي الثّابت، وموقفه الرّاسخ الذي لن يتأثر بأيّ عدوان.
إنّ القضية الصّحراوية «قضية تصفية استعمار»، والعقلية الكولونيالية القديمة لم تعد تجد لنفسها مسوّغا في المجتمع الدّولي، لأنّ عهدها مضى وانقضى، والأوْلى، هو الالتزام بالشّرعية الدّولية، لأنّها ضمانة «الحياد»، والأوْلى كذلك، الانصياع لمواثيق الأمم المتحدّة، فـ «الحق لا يسقط بالتقادم»، والأوْلى أبدا، هو العمل على تحقيق المصالح العليا للشّعوب، عوضا عن اصطناع مواقف كاريكاتورية لا تجدي نفعا، لأنّ «الاستعمار» فكرة تجاوزها التاريخ، ولن يحييها الحنين إلى الضّلال القديم..