يقول أستاذ الاقتصاد عمر هارون، في حوار مع “الشعب” إن قرار منع تصدير مواد غذائية يمكن الجزائر من المحافظة على مخزون استراتيجي قادر على حماية أمنها الغذائي، ويجعلها تحافظ على هامش مناورة مريح للتعامل مع المرحلة القادمة والتخطيط لما هو قادم بما يخدم المصلحة العامة.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، يمكن أن نصفه بالقرار الاستراتيجي الذي يستهدف تسيير أزمة عالمية، لأن الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن توقف تبعاتها لوحدها.
كيف ترى انعكاسات منع تصدير ما تستورده الجزائر من مواد غذائية؟
هذا القرار يأتي في إطار ما يعيشه العالم من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، ولاشك أن العديد من دول العالم ذهبت لنفس ما ذهبت إليه الجزائر من منع تصدير المنتجات ذات الاستهلاك الواسع والتي يكون مصدر مادتها الأولى مستوردا، خاصة أن منطقة الحرب الدائرة هي منطقة فلاحية بإمتياز.
وإذا قمنا بحساب الكميات المصدرة من القمح روسي بشكل تراكمي مثلا سنجد أنها صدرت 19 بالمئة من حاجيات الولايات المتحدة الأمريكية منذ 2000 إلى 2021 و16 بالمئة للاتحاد الأوروبي في نفس الفترة و14 بالمئة من حاجات كندا، حيث أن منطقة النزاع تنتج ما يعادل 32 مليون طن من القمح وتحجم صادراتها تعادل 12 بالمئة من حجم الصادرات العالمية لهذه المادة حيث أن صادرات المنطقة تضاعفة 6 مرات من ناحية الحجم و12 مرة من ناحية القيمة في 20 سنة الأخيرة، ما يجعل المنطقة تمول أكثر من 20 بلد في العالم بأكثر من 50 بالمئة من حاجياته.
وهذا ما يجعل العالم يقف في حالة صدمة، خاصة أن احتياطات العديد من الدول تتراجع بشكل غير مسبوق فالاتحاد الأوروبي لا يملك سوى شهر واحد من الاحتياطي والهند 3 أشهر والولايات المتحدة الأمريكية والصين في حدود السنة والمشكل الأكبر أن تكلفة إنتاج الطن الواحد من القمح ارتفعت لحدود 300 أورو، بإرتفاع قدر 50 بالمئة مقارنة بالسنتين الماضيتين وسيرتفع في المرحلة القادمة ليصل إلى 350 أورو للطن، وهو ما أدى لارتفاع أسعار الطن الواحد على المستوى الدولي لما فوق 400 أورو للطن في حالة توفره في الظروف الحالية كما أن الوضعية الحالية تنبئ بتواصل استمرار الحرب مما سيؤدي لسنة فلاحية كارثية في المنطقة وهو ما سينعكس على المنتجات العديد على غرار زيت عباد الشمس التي تعتبر روسيا وأوكرانيا أكبر الدول المصدر له وهو ما أنتج مشكل عويص في المادة.
ومنه فالانعكاسات وفق الوضعية التي شرحتها في بداية إجابتي على السؤال ستكون بالتأكيد إيجابية على المواطن الجزائري بحيث ستتمكن الجزائر من المحافظة على مخزون استراتيجي قادر على حماية أمنها الغذائي من جهة ومن وجهة أخرى ستحافظ الجزائر على هامش مناورة مريح يجعلها قادرة على التعامل مع المرحلة القادمة بأريحية والتخطيط لما هو قادم بما يخدم مصلحة البلاد والعباد .
ما هي تداعياتها على الأسعار والوفرة؟
إن أزمة السميد والزيت والأزمات المشابهة لها عديد الأسباب بعضها مرتبط بالوصاية خاصة ما تعلق بالتعامل مع ملف هذه المواد الأساسية بالعقلية الاشتراكية بتحديد نقاط معينة للبيع وهو ما يضطر الناس للتواجد في طوابير طويلة لنيل حاجاتهم منها، وهو ما حول سلوك المستهلك الجزائري من سلوك رشيد يأخذ فيه المواطن ما يحتاج من السلع ليومه أو أسبوعه لمواطن يتعامل وفق مبدأ الأمان فيشتري من السلع بهدف التكديس وهو ما خلق لنا هوى بين ما يتم إنتاجه وما هو مطلوب.
وكلما ارتفع الطلب عن العرض يفترض ان ترتفع الأسعار فيقل الطلب بشكل سريع لكن نظرا لكون السلع تباع بأسعار مقننة فإن آلية الأسعار لن تعمل ويبقى الطلب مرتفعا ومهما بلغ الإنتاج وكان كبيرا سنكون أمام حالة غياب للمواد المطلوبة نظرا لأن ما يكفي 100 فرد يتم شراؤه من عشرة أفراد بسبب تعطيل آلية الأسعار.
إن الحل في مثل هذه الحالات هو منع توضيب هذه السلع فوق 5 كلغ ورفع سعر الطلبات المضاعفة فيسمح للمواطن بشراء الكيس الأول بالسعر المدعم أما الكيس الثاني والثالث فيكون بسعر السوق على أن يفتح بيع المادة في كل مكان دون تحديدها بنقطة محددة كما هو الحال في النظام الاشتراكي.
إلى أي مدى يساعد هذا القرار على ضبط السوق؟
القرار الذي اتخذه الرئيس يمكن أن نصفه بالقرار الاستراتيجي الذي يستهدف تسيير أزمة عالمية الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن توقف تبعاتها لوحدها وهو حال يشبه ما عشناه خلال أزمة “كوفيد 19” ومنه فإننا الآن في مرحلة يمكن أن نصمد من خلال هذه الإجراءات لنهاية السنة.
لكن يبقى الأمر منوطا بما ستؤول له الحرب في المنطقة وحجم الإنتاج الذي سيتحقق خاصة أن مستوى الأمطار هذه السنة يبقى غير واضح والكل يعلم أن مستوى السدود في الجزائر تراجع لمستوى خطير وهو ما كلفنا توقيف استعمالها للسقي حالها حال الآبار التي قرر مجلس الوزراء توقف عن حفرها كونها ثروة قومية وجب المحافظة عليها للأجيال القادمة، وهو ما يجعلنا ندخل في حالة حرجة في حال بقية المعطيات السابقة على حالها مع نهاية السنة الجارية.
هل يجب أن يتبع هذا الإجراء بقرارات أخرى؟
أظن أننا يجب أن نصارح المواطن الجزائري بالوضعية الجديدة التي يعيشها العالم وتأكيد أنها وضعية عالمية خاصة أننا دولة مستوردة لأغلب هذه السلع وأن نعيد التعامل مع الوضع الحالي بشكل جديد نحاول فيه تحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد واسعة الاستهلاك كالقمح عباد الشمس والشمندر والحليب وهذا ليس بالمستحيل في بلد بحجم قارة كالجزائر.
وذلك سيكون سهلا ان اتبعنا أسلوب المزارع النموذجية، خاصة أن تبعات الحرب الروسية الأوكرانية سيكون لها تبعات لسنة أخرى على الأقل خاصة أن الفلاحة هذه السنة في جل المناطق الأوركرانية متوقفة بسبب الحرب وكنا قد شرحنا أثرها في السؤال الأول ومنه فلا حل لنا إلا أن نشمر على سواعدنا ونراهن على أرضنا لتحقيق اكتفاء ذاتي لا يجب أن يقل عن 80 بالمئة.
حوار: علي عزازقة