أكد المختص في علم الأوبئة والطب الوقائي الدكتور نوفل إبراهيم باسم، في حوار مع «الشعب»، أن تراجع الإقبال على التلقيح مرتبط باستقرار الوضع الوبائي من خلال تسجيل انخفاض ملحوظ في عدد الإصابات والوفيات، مشيرا إلى أن أهمية اللقاح حاليا تكمن في حماية الفئات الهشة من مخاطر ومضاعفات فيروس كورونا في حال ظهور موجات أخرى.
هل تراجع الإقبال على مراكز التلقيح مرتبط بانخفاض منحنى الإصابات وتحسن الوضع الوبائي؟
المختص في علم الأوبئة نوفل إبراهيم باسم: إن التراخي في الإقبال على أخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا ليس جديدا، وإنما تكرر باستمرار خلال الموجات السابقة من الوباء بمجرد تجاوز مراحل بلوغ ذروة الإصابات من الفيروس، حيث امتنع عدد كبير من المواطنين عن التطعيم عندما يزول الخطر، والتوجه إلى مراكز التلقيح كان بدافع الخوف من الإصابة بالفيروس لا غير، وهو ما تسبب في ضعف وتدني نسبة التلقيح على المستوى الوطني، وعدم التمكن من بلوغ المناعة الجماعية بالتلقيح بالرغم من توفر اللقاحات بالكميات الكافية.
وبما أن منحنى الإصابات بالفيروس في انخفاض مستمر، وجميع المؤشرات الراهنة تدل على أن الوباء يتجه نحو الزوال، وقرب العودة إلى الحياة الطبيعية، فإن العزوف عن التلقيح عرف تزايدا أكثر من قبل الجزائريين، الذين باتوا يعيشون حالة من الاطمئنان والارتياح بسبب تحسن الوضعية الوبائية وتخطي مرحلة الخطر، بالإضافة إلى أن العمليات التحسيسية حول أهمية التطعيم تعرف هي الأخرى تراجعا كبيرا مع انخفاض عدد الإصابات واستئناف الأنشطة بمختلف القطاعات، ورفع الإجراءات الوقائية والقيود التي كانت مفروضة للحد من انتشار الفيروس.
ما مدى أهمية الاستمرار في التلقيح لتجنب سيناريوهات خطيرة؟ وهل العزوف يعرض اللقاحات المتوفرة إلى التلف؟
تراجع حصيلة الإصابات والوفيات بسبب فيروس كورونا إلى أدنى مستوياتها لا يعني التوقف عن عملية التلقيح، وإنما تكمن أهميته حاليا في حماية الفئات الهشة، خاصة كبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة، وذلك في حال ظهور موجات أخرى من الفيروس، باعتبار أنهم أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات المرض، وقد أثبتت اللقاحات فعاليتها في الوقاية من مخاطر التعقيدات الصحية التي يتسبب فيها الفيروس، وساهمت إلى حد كبير في حماية العديد من المرضى، بالإضافة إلى أن التلقيح يعد مكسبا هاما لاسيما بالنسبة للدول التي حققت نسب التلقيح المرجوة، وسمح ذلك بتسريع اكتساب المناعة الجماعية، وبالتالي القضاء على الوباء.
وبخصوص تعرض اللقاحات المتوفرة للتلف، وانتهاء الصلاحية جراء ضعف الإقبال على التلقيح، فالأمر مرتبط بنوع اللقاح وخصائصه لأن هناك بعض اللقاحات تدوم صلاحيتها لمدة طويلة كاللقاح الصيني «سينوفاك»، الذي تنتهي صلاحيته بعد سنتين من إنتاجه، عكس بعض اللقاحات التي تتعرض للتلف أو تنتهي صلاحيتها لفترة قصيرة بعد تعرضها لدرجة حرارة معينة كلقاح «جونسون»، الذي يجب استعماله في ظرف 3 أشهر من تاريخ تعريضه لدرجة حرارة بين +2 و+8 لأن هذا النوع من اللقاحات يكون في درجة حرارة تقارب -20 درجة حين يتم استيراده، وتنتهي صلاحيته بعد سنتين.
هل ما تعيشه الجزائر من انحسار واستقرار للحالة الوبائية يعني انتهاء الوباء أم قد يكون ظرفيا؟
أعتقد أن الأزمة الصحية التي عاشتها البلاد على غرار بقية دول العالم تتجه نحو الانفراج، خاصة وأن جميع المؤشرات تنبئ بقرب انتهاء جائحة كورونا بعد ظهور المتحور أوميكرون، الذي طغى على الموجة الرابعة وخلف عددا كبيرا من الإصابات نظرا لسرعة انتشاره، ومن المحتمل أن تكون آخر موجة لفيروس كورونا في الجزائر مع تسجيل انخفاض غير مسبوق في عدد الإصابات والوفيات منذ بداية الجائحة.
وبخصوص إمكانية ظهور موجة خامسة للوباء قد تباغت الجزائريين في أية لحظة، فهي احتمالات ضئيلة ومستبعدة، ولكن في حال بروز متحورات جديدة فإنها ستكون أقل خطورة وشراسة من الفيروسات التي ظهرت من قبل، ولن تتسبب في حدوث مضاعفات صحية خطيرة تؤدي إلى الوفاة.
وبالرغم من انخفاض درجة الخطر، تبقى الوقاية مطلوبة من خلال الاستمرار في اتخاذ الإجراءات الوقائية الصحية، خاصة ما تعلق بمواصلة الإقبال على التلقيح لتجنب سيناريوهات خطيرة في المستقبل.
هل من الضروري اتباع إستراتيجية وقائية جديدة لمواجهة مخاطر محتملة في المستقبل؟
يمكننا القول إننا تخطينا الأسوأ بعد موجات العدوى السابقة التي كانت فتاكة وأكثر شراسة، والأمر بات مختلفا لضعف الفيروس وانخفاض نسبة تفشيه إلى أدنى مستوياتها، ويجب الانتقال إلى مرحلة جديدة تتمثل في دراسة إمكانية وضع جهاز يقظة صحية في المستقبل، وذلك للتنبؤ بالمخاطر الصحية والاستعداد لمواجهتها قبل حدوثها، وإعادة النظر في جهاز المراقبة الوبائية المستمرة وتحسينه من خلال إشراك جميع الفاعلين في مجال الصحة لضمان المتابعة المستمرة للأمراض التي تنتشر في الجزائر، والقيام بدراسات وإعطاء المزيد من الصلاحيات لمصالح الأوبئة والطب الوقائي من حيث المراقبة الصحية، بالإضافة إلى أهمية توفير الأجهزة والمعدات اللازمة للحد من انتشار الأوبئة والأمراض.
ويجب علينا استخلاص الدروس وتدارك الأخطاء بعد التجربة التي عاشتها أغلبية الدول مع انتشار جائحة كورونا، خاصة بالنسبة للبلدان التي تعاني من نقص في الإمكانيات ولا تملك مؤسسات وهياكل لليقظة الصحية، وأجهزة خاصة بالمراقبة الوبائية لتسهيل الإبلاغ عن الأوبئة والأمراض بعد ظهورها وتفشيها.
وبالتالي فإنّ مواجهة الكوارث الناتجة عن تفشي الفيروسات المعدية والفتاكة تقتضي مساهمة جميع الفاعلين الصحيين كالمؤسسات الصحية والعيادات الخاصة ومخابر التحاليل، زيادة على ضرورة إتباع إستراتيجية وقائية فعالة لليقظة الصحية.