أحيا المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، اليوم، الذكرى الـ66 لإستشهاد بوجمعة سويداني، المدعو سي الجيلالي، بندوة عنوانها “سويداني بوجمعة الشهيد الثوري المتمرس، والمخطط البارع، والقائد الملهم”، والتذكير بمسيرته النضالية إبان ثورة التحرير.
قال وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، إن الشهيد من طليعة المناضلين الشباب الذين ارتقوا بوعيهم السياسي ونضجهم العسكري إلى مستوى تحديات المرحلة في تلك الفترة، فكان من أعضاء مجموعة الـ22 التاريخية، التي حضرت وخططت لإنطلاق معركة الحسم من أجل الحرية واسترجاع السيادة الوطنية في أول نوفمبر 1954.
ووصف ربيقة الشهيد برمز النضال والتضحية، وأحد رجال الجزائر الذين أدوا دورا رائدا في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، تميز بذكاء خارق وعبقرية نادرة لا تزال نورا يسطع ويتجدد عبر الأجيال.
وقال إنه أبلى البلاء الحسن في المسؤوليات القيادية التي أوكلت له بالمنطقة الرابعة التاريخية، أين أشرف على عدة اجتماعات هامة في هذه المنطقة وخطط للعديد من العمليات الفدائية، وقاد عدة معارك أثبت فيها حنكته القيادية ونجاح استراتيجيته العسكرية، ألحق فيها الهزائم النكراء بالقوات الاستعمارية إلى أن استشهد في 1956.
وأوضح الوزير أن مسيرته كانت كفاحا ونضالا منذ التحاقه بصفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية في سن مبكرة، تلقى فيها المفاهيم الأولى للوطنية لينضوي بعدها تحت لواء حزب الشعب الجزائري مدافعا عن قضية وطنه، ويكلف بمهام قيادية حققها بنجاح واقتدار رغم صعوبتها، ولاقى رفقة إخوانه المناضلين السياسيين مرارة الملاحقات واقسي أنواع العذاب في زنزانات السجون الاستعمارية.
وواصل كفاحه ضمن صفوف المنظمة الخاصة وكان احد الفاعلين الأساسيين في تنفيذ العملية الشهيرة هجوم على بريد وهران في 1949 رفقة ثلة من أبطال المنظمة الخاصة.
وقال أيضا: “تتزامن ذكرى استشهاد سويداني مع إحياء ذكرى وفاة رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر الإمام العلامة عبد الحميد بن باديس، وتظل معانيها وقيمها خالدة في نفوس الأمة، نظرا لما تستمده منها من زخم وصور خالدة تبث الثقة في النفوس”.
وأشار ربيقة إلى أن مراحل النضال والانتصار هي صفحات خالدة تفرض على الأجيال المعاصرة الاعتناء بها عناية بالغة، من أجل تحقيق تواصل تاريخي وحضاري يربط الماضي بالحاضر، ويبني جسور تواصل وطيدة بين السلف والخلف.
وذكر بجهود القطاع في الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي المرتبط بالمقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، وصون الذاكرة الوطنية تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية الذي ما فتئ يحث على إيلاء العناية بالذاكرة الوطنية.
وأكد الوزير أن مسألة حماية الذاكرة هي أكثر من ضرورة حيوية اليوم،موضحا أن التاريخ بكل مراحله يجب أن يستعيد مكانته في كل المواقع ومختلف المؤسسات، لأن التاريخ ليس مجرد سرد للوقائع إنما هو تلك الروح التي تشعر الأمة بالوجود والعرفان الدائم لأولئك الذين صنعوا أمجاده وملاحمه.
وأبرز وزير المجاهدين أن ذاكرة الشعب الجزائري تأبى إلا أن تستحضر في كل حين مآثر وأمجاد جيل أغر خلف صفحات مشرقة من العطاء والتضحية والفداء في سبيل الحرية والكرامة، جيل جسد قيم الالتزام والوفاء والوطنية الصادقة في صفاتها وعظمتها وأمجادها التاريخية الأصيلة.
وأضاف: “نستذكر تلك المواقف الخالدة لأولئك الأبطال الذين رفضوا الذل والإستكانة، واستعصوا على الأهوال وتحدوا بإيمانهم القوي كل الشدائد فانتصروا عليها وغيروا مجرى التاريخ، وقادوا الجزائر إلى استرجاع سيادتها المسلوبة”.
شخصية فطنة
تناولت الدكتورة نظيرة شتوان من جامعة البليدة 02 في مداخلتها بعنوان “سيرة ومسيرة” النضال السياسي والعسكري للشهيد، والتي تركت بصماتها في تاريخ الثورة.
أصدرت الدكتورة كتابا في2020 حوله بعنوان “بوجمعة سويداني ودوره في الحركة الوطنية وثورة التحرير.
وأكدت أن بوجمعة سويداني شخصية نبيهة فطنة، له القدرة على الإستيعاب والتعلم، عمل كمطبعي في مطابع بقالمة، ونظرا للوعي الذي تحلى به كان يهرب حروف الطباعة لجريدة الأمة وهرب أيضا قطع الطباعة لإخراج نشرية جزائرية.
وأشارت إلى أن الشهيد كان يمارس هوايته المفضلة في قراءة الكتب منها كتاب عن الثورة الفرنسية حين كان بالسجن.
وأبرزت عوامل عديدة ساهمت في تكوين شخصية الشهيد منها البيئة التي نشأ فيها وتربى والتي كان أغلب سكانها من المستوطنين الأوروبيين، وكان يتساءل عن سبب التمييز في التعامل والفارق الاجتماعي بين الأسر الجزائريين والأوروبيين، فوجد أن المشكل في الاستعمار الذي ساهم في تدهور وضعية الجزائريين ولابد من القضاء عليه.
إضافة إلى عامل الكشافة الإسلامية التي علمته الصدق، الأخلاق الفاضلة، حب الوطن والوفاء ومواجهة الشدائد، وهي أول مدرسة تلقى فيها التكوين السياسي، وساهمت الرياضة في تنمية شخصيته،ومجال يفجر فيه طاقته، فبرز في فريق الترجي القالمي الإسلامي.
ومن العوامل التي تركت أثرا سيئا في نفسيته مجازر 8 ماي 1945، وتيقن أن ما أخذ بالقوة لابد أن يسترجع بالقوة وبعد الحرب العالمية الثانية انضم إلى المنظمة الخاصة التي تأسست في 1947، فوجه نشاطه نحو فكرة تهريب السلاح بعدما ربط علاقة مع احد المجندين بثكنة قالمة، وللأسف القي عليه القبض عندما كان يهرب الشحنة الثالثة من الأسلحة وحكم عليه بـ18 شهرا سجنا تنقل خلالها بين سجون قالمة وباتنة ومزارع المستوطنين بسكيكدة.
وأشارت الباحثة إلى أن الشهيد كان من بين منفذي عملية الهجوم على بريد وهران ومن مجموعة الـ22 الذين حضروا لتفجير الثورة، فقد أدى دورا في حسم الخلاف حول اندلاع الثورة أم لا بمقولته”هل نحن ثوريون أم لا حتى نقوم بهذه الثورة”.
وقدم الدكتور علال بن بيتور قراءة في شخصية الشهيد من خلال مواقفه منذ 1943 حين كان عمره 11 سنة، والحادثة التي وقعت له عندما جاء رفقة أقرانه من المستوطنين الذين كانوا يقطنون نفس الحي لمشاهدة فيلم بالسينما بقالمة، فصدم لرؤية لافتة مكتوب عليها “يمنع دخول الأهالي يومي السبت والأحد”. عاد أدراجه رغم إلحاح أقرانه الأوروبيين، وذهب إلى الشارع الأخر لجمع 50 من الجزائريين ونظم مظاهرة ضد العنصرية، ألقي على إثرها القبض عليه وحكم مدة ثلاثة أشهر.
وقال الدكتور علال: ” نقرأ أن هذا الرجل لم يكن أنانيا، كان يفكر في أبناء جلدته ووطنه وتحمل مسؤوليته التي كلفته ثلاثة أشهر من السجن”.
ودعا الدكتور عبد الستار الباحثين والأكاديميين للبحث في ملف شهداء بدون قبور خاصة قادة الثورة منهم الجيلالي بونعامة وبوجمعة سويداني، ويكون ذلك مدعوما بالشواهد والأدلة لتكون إحدى الملفات للتفاوض بها مع الطرف الفرنسي، مبرزا دور المجتمع المدني. وتجدر الإشارة كرمت عائلة الشهيد وتم عرض شريط وثائقي حول مسيرته النضالية.