تعد الدّبلوماسية البرلمانية الأرضية الصلبة للدبلوماسية الرسمية في غالب الأحيان، أي أنه حينما تعرف العلاقات الدبلوماسية بين دولتين نوعا من التعقد أو الجمود، يمكن اللجوء والاستعانة بالدبلوماسية البرلمانية بغرض تهيئة الظروف للدبلوماسية الرسمية، كما يمكن لها أن تشكّل صمّام أمان للعلاقات بين دولتين، فعندما يحدث توتر في العلاقات، يمكن للدبلوماسية البرلمانية أن تؤدي دورا لإعادة الأمور إلى نصابها، مثلما يؤكّد على ذلك الدكتور رابح زاوي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
يعتقد الدكتور زاوي أنّ الدبلوماسية البرلمانية تحتاج أولا إلى حشد الموارد البشرية والمادية المتوفرة، وإلى رؤية إستراتيجية مرسومة بدقة، كما تحتاج بكل تأكيد إلى السير والتنسيق مع وزارة الشؤون الخارجية، حتى تتكامل الإمكانات وتتّحد التصورات، ويمكن بعدها أن نتحدث عن وجهات نظر مشتركة اتجاه ما يجب الدفاع عنه أو ما يجب أن تكون عليه الواجهة الخارجية للجزائر.
أمّا عن مدى أهميتها في الوقت الراهن، فيرى المتحدث أنّ الظرف الخارجي يزيد من أهمية الدبلوماسية البرلمانية بشكل كبير، على اعتبار أنها واجهة هامة لتمثيل الدول إلى جانب سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية، وبالتالي مع تصاعد حدة الأزمات وغيرها تبدو الدبلوماسية البرلمانية، أحد أهم الآليات التي يمكن البناء عليها في سبيل دعم خيارات الدولة الخارجية، وكذلك تذليل العقبات أمام الدول التي تهدف إلى بناء شراكات حقيقية فيما بينها.
وبالحديث عن الدبلوماسية البرلمانية في الجزائر، ذكر الدكتور رابح زاوي أنّ الدبلوماسية البرلمانية أداة فاعلة في الحقل الدبلوماسي ووسيلة فعّالة إذا ما تمّ توظيفها بالشكل الصحيح، حيث تسمح بربط جسر من العلاقات المتينة مع بقية البرلمانات العربية وحتى الغربية، كما أنها تسمح كذلك بتبادل التجارب، إلى جانب مهمتها الأساسية، وهي دعم التوجه الخارجي للدولة الجزائرية والسير على نفس النسق والحركية التي عرفتها خلال الفترة الأخيرة.
وأشار المتحدّث إلى أنّ التجربة البرلمانية الجزائرية، تجربة حديثة النشأة، على اعتبار أن التعددية الحزبية جاءت مع فترة التسعينات، وبالتالي فهي تجربة فتية مازالت تشق طريقها، ومن جهة أخرى يمكن – حسبه – ملاحظة كيف أنّ البرلمان حقّق قفزة نوعية من خلال تشكيلته التي استطاعت أن تجد لها مكانا ضمنه.
إنّ الحديث عن الدبلوماسية البرلمانية في الجزائر، كما قال الدكتور زاوي هو حديث كذلك عن الدبلوماسية الجزائرية وتاريخها المشرف ومواقفها الثابتة اتجاه العديد من القضايا، لذلك يرى أنّ الدبلوماسية البرلمانية تملك قاعدة صلبة، يمكنها الاعتماد عليها كرصيد هام يؤسس لمنطلقاتها وتوجهاتها التي يجب أن تتناغم مع توجهات الدولة الجزائرية، وبكل تأكيد يجب أن تسهم في الدفاع عن المصالح الحيوية للبلاد.
كما أنّه بمشاركة الدبلوماسية البرلمانية على المستوى الدولي، وكذلك في اللقاءات الثنائية مع البرلمانيين الأجانب، فهي تسعى لإعطاء صورة جيدة عن الجزائر والتعريف بمواقفها المبدئية.
وأوضح في سياق متصل، أنّ البرلمان الجزائري بغرفتيه يعد المسؤول الأول عن جميع الأنشطة البرلمانية الدبلوماسية، التي تتمثل في استقبال الوفود البرلمانية الأجنبية، وإيفاد البعثات البرلمانية إلى الخارج، من أجل المشاركة في الهيئات البرلمانية الدولية أو حتى المشاركة في الاجتماعات الثنائية، لاسيما مجموعات الصداقة البرلمانية، وهو الأمر الذي يتطابق إلى حد كبير مع ما جاء به الدستور الجديد، حيث وإلى جانب صلاحيات التشريع والرقابة وكذلك الموافقة على المعاهدات والاتفاقات الدولية، تسهم اليوم وبشكل فعّال في ترسيخ الممارسة الديمقراطية والنمط التشاركي، سواء على المستوى الداخلي والخارجي، إلى جانب توفير فضاءات أوسع للانخراط مع أطراف المجتمع الدولي وإثراء المحاور الكبرى لتحركات الجزائر الخارجية، لاسيما التحديات الجديدة للدبلوماسية البرلمانية.
وأضاف محدّثنا، أنّه وعلى الرغم من تأثير جائحة كوفيد-19 الأخيرة، والتي قيّدت من حرية التنقل بين الدول، إلا أنه خلال السنة الماضية تم تسجيل أكثر من 59 نشاطا دبلوماسيا برلمانيا، وهذه النّشاطات وإن كانت تسير بخطى بطيئة ولكنها ثابتة.
وأشار إلى أنّ هذا هو الأهم في الفترة الحالية، كما أن الوضعية الإقليمية والدولية تستدعي حشد الجهود بجميع أشكالها من أجل الدفاع عن المصالح الحيوية للجزائر، والأكيد أنّ الدبلوماسية البرلمانية هي أحد أهم تلك الآليات التي يمكن الاعتماد عليها.