يترقب الجزائريون عودة نشاط سوق المركبات الجديدة، بعد نحو 3 سنوات من تجميد نشاط وكلاء السيارات وتوقف «مصانع التركيب»، ما سبب حدوث عجز غير مسبوق في السوق، وارتفاع أسعار المركبات إلى مستويات «جنونية»..
تشير تقديرات وكلاء سابقون للسيارات تسجيل عجز بنحو نصف مليون سيارة، إذا ما علمنا أنّ آخر «كوطة» استيراد من قبل الوكلاء تعود لشهر أوت 2019، إلى جانب توقف نشاط التركيب لأسباب معروفة، ما يفسّر بلوغ أسعار سيارات قديمة مستويات غير معقولة فاقت جميع التوقعات.
عجز في السوق..
نصـف مليـون مركبـة جديـدة لضبـط الأسعـار
سيارات ترقيم 2006، 2008، 2009 و2010.. مر على أول سنة سير أزيد من 13 سنة، يفوق سعرها حاليا سعر خروجها من المصنع، ومثال بسيط عن ذلك سيارة «أتوس» 2008 التي لم يتجاوز سعرها 75 مليون وهي جديدة، يصل سعرها بعد 14 سنة سير إلى 90 مليون سنتيم، وهو حال جميع علامات السيارات المستعملة بالجزائر.
قبل توقف نشاط استيراد وتركيب السيارات، استوردت الجزائر ما قيمته 2.3 مليار دولار من مجموعات SKD الموجة لتركيب السيارات السياحية ومركبات نقل الأشخاص والبضائع، من جانفي إلى سبتمبر 2019، تاريخ آخر «كوطة» استيراد.
وفي سنة 2018، بلغت الفاتورة الإجمالية لاستيراد مجموعات CKD/SKD الموجهة لتركيب السيارات (السياحية والنفعية) واستيراد سيارات نقل الأشخاص والسلع (منتجات مصنعة) أكثر من 3.73 مليار دولار، مقابل 2.2 مليار دولار سنة 2017 بارتفاع قدره 1.53 مليار دولار (+70 بالمائة).
حاليا، تعمل الحكومة ممثلة في وزارة الصناعة على تحضير دفتر شروط جديد يؤسس لصناعة حقيقة تخدم اقتصاد البلاد، وتراعي نسبة الإدماج المحلي وسلسلة قطع الغيار، تفاديا لتكرار تجربة « نفخ العجلات» التي كبدت الخزينة العمومية أموالا ضخمة.
دفتر شروط جديد..
مقاربة التركيب والتصنيع المحليين بنسبة إدماج قد تصل إلى 30 % في أولى مراحل الإنتاج، وتوفير مناصب شغل وتنشيط حلقات غابت عن الصناعة والميكانيكية بالجزائر في تجارب سابقة أثبتت فشلها، لا يمنع – حسب خبراء- اللجوء إلى حلول ظرفية لسدّ حاجة الجزائريين الماسة للسيارات وكبح «جنون» الأسعار، ريثما تجسّد صناعة حقيقية.
تجميد استيراد السيارات بالجزائر، قرار طبق على السيارات المستوردة من قبل وكلاء الاستيراد لأسباب اقتصادية من أجل وقف نزيف العملة الصعبة موازاة مع تراجع مداخيل الخزينة العمومية من صادرات المحروقات بسبب انخفاض الأسعار آنذاك، فيما أبقت الحكومة المجال مفتوحا أمام المواطنين الذين يرغبون في اقتناء سيارة من الخارج بأموالهم الخاصة، غير أنّ تكاليف الرسوم الجمركة الباهظة جعلت استيراد سيارة جديدة حكرا على فئة معيّنة فقط..
وبالأرقام، بلغ استيراد السيارات من قبل المواطنين بأموالهم الخاصة شهر جانفي 2022، 10 آلاف سيارة حسب أرقام قدمها وزير الصناعة، وأشار إلى أنّ معدل الاستيراد يتراوح ما بين 4 إلى 5 آلاف سيارة شهريا.
بالمقابل، أفرجت الحكومة عن دفتر شروط تركيب واستيراد السيارات، غير أنه تم تجميده من أجل إدخال تعديلات جديدة تتماشى مع مقاربة تعتمد على استيراد مراقب يلبي حاجيات السوق، وتصنيع فعلي يتماشى مع المتطلبات الاقتصادية.
وفي آخر تصريح لوزير القطاع أحمد زغدار، في ردّه على نائب بالمجلس الشعبي الوطني، أكد أن قطاعه يدرس حاليا ملفات متعاملين بلغ عددهم 73 ملفا، مشيرا إلى أنّ هذا الملف سيتم معالجته قريبا عن طريق الإفراج عن دفتر الشروط الجديد.
صناعة حقيقية..
كان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أكّد أنّه سيتم الفصل في ملف السيارات قبل نهاية الثلاثي الأول من السنة الجارية، واصفا هذا الملف بـ «جدّ المعقد» خاصة بعد «التجربة الفاشلة» لتركيب السيارات التي عاشتها الجزائر خلال السنوات الماضية، والتي ضيع فيها متعاملا واحدا – يقول الرئيس- أموالا تفوق 3.5 مليار دولار.
التركيب المنشود، على عكس «الاستيراد المقنع» الذي عرف في السابق، يجب أن يسمح بالدخول في صناعة حقيقية لا تقل فيها نسبة الإدماج عن 30 إلى 40 بالمائة، كما سيتم، في نفس الإطار، تشجيع إنتاج قطع الغيار.
وبالنسبة لاستيراد السيارات، أشار الرئيس تبون إلى وجود «إمكانية» هذا الاستيراد بشرط أن «يفهم الوكلاء أن التصرفات السابقة لم تعد ممكنة» مشيرا، على سبيل المثال عن هذه التصرفات، إلى عدم ضمان «شركة أوروبية كبيرة» كانت تبيع سياراتها في الجزائر لقطع غيار سياراتها.
تصريحات رئيس الجمهورية بشأن ملف السيارات، تشير إلى الخطوط العريضة لمقاربة استيراد وتصنيع جديدة تضع مصلحة اقتصاد البلاد فوق كل اعتبار، تجنّبا لتكرار تجارب سابقة كلفت الجزائر ملايير الدولار.