بالرغم من كونه ملفا معقدا وشائكا جعل من اقتناء سيارة حلما يكاد يلامس الاستحالة، أكد الخبير الاقتصادي محمد حميدوش أنّ الحل ممكن من خلال خفض الرسوم والتعريفة الجمركية على السيارات حتى تعود أسعارها إلى نصف ما هي عليه الآن، خاصة وأنّ إجراء منع استيراد السيارات ورفع الرسوم الجمركية جاء للحدّ من نزيف العملة الصعبة لكن انعكاساته على سوق السيارات في الجزائر كانت وخيمة، بسبب اختلال توازن معدل النمو، وتأثيرها السلبي على المؤسسات الاقتصادية.
إلى جانب قدم الحظيرة الوطنية للسيارات بعد وقف الاستيراد منذ أربع سنوات، ما تسبب في ارتفاع حوادث المرور ولجوء المواطن إلى وسائل النقل ما يعيده إلى ظاهرة الاكتظاظ، هو واقع مر يعيشه المواطن بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار السيارات لم يستثن السيارات المستعملة التي وصل سعر بعضها إلى أربعة أضعاف سعر شرائها وهي جديدة.
ولعل الوصف الذي كتبته مجلّة «إيكونوميست» البريطانية يعكس بدقة سوق السيارات في الجزائر، حيث كتبت في تقرير لها عن سوق السيارات في الجزائر في فيفري 2021، «إنّ كل السيارات عبر العالم تفقد قيمتها بمجرّد خروجها من وكالات البيع، إلا في الجزائر فهي تزداد قيمة مع مرور الوقت في صورة استثنائية لا تحدث في أيّ مكان آخر».
هي صورة غريبة، يعيشها المواطن بكل تفاصيلها لدرجة ركود تام لسوق السيارات بسبب ارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية التي تئن تحت وطأة «نار» تعالى لهيبها حتى مسّت «ألسنة» أسعارها السلع التي كانت إلى زمن قريب أهم من المواد الاستهلاكية للفئة المتوسطة أو الفقيرة.
منع استنزاف العملة الصعبة
أرجع الخبير الاقتصادي امحمد حميدوش في اتصال مع «الشعب-ويكاند» ارتفاع الرسوم الجمركية على السيارات إلى تراكمات سياسات سابقة تدور حول أيديولوجية واحدة تتمحور حول حقيقة أنّ استيراد السيارات يستنزف العملة الصعبة، لذلك وللحدّ منه يتم رفع أسعار السيارات عن طريق التعريفة الجمركية.
وهو ما يراه تعامل خاطئ مع المشكل القائم، فالمتعارف عليه أنّ السيارة تدخل في سياق تحرك وتنقل الأشخاص وكلما كان تحرك الأشخاص كبيرا ارتفعت الإنتاجية والمردودية ما يساهم بالتالي في صناعة الثروة.
في نفس الوقت، أكد المتحدث ضرورة التخلي عن إجراء رفع التعريفة الجمركية على السيارات لمنع استنزاف العملة الصعبة من الخزينة العمومية، لأنّ العملة الصعبة ليست من مهام الحكومة بل هي خاضعة لسوق العرض والطلب، وتدخل في إطار السياسة النقدية للدولة التي يتصرف فيها البنك المركزي بينما التعريفة الجمركية تحدد في قانون المالية.
هي خطوة مهمة ستسمح بتجاوز الأزمة الحالية التي نعيشها، حيث اعتبر الخبير الاقتصادي أنّ ارتفاع أسعار السيارات ينعكس سلبا على الاستثمارات في الجزائر على اعتبار أنّ السيارات مهما كان نوعها سياحية أو رباعية أو شاحنات هي بمثابة استثمار للمؤسسات، لذلك ارتفاع أسعارها سينعكس سلبا عليها لتسببه في رفع التكاليف على مستوى هذه المؤسسات، فكلما ارتفعت الاستثمارات سيشكل ضغطا على الأسعار.
في ذات السياق، يرى حميدوش، أنّ الحكومات المقبلة عليها تبنّي نظرة جديدة لتحسين المردودية والإنتاجية، خاصة إذا علمنا أنه بالرغم من توقف استيراد السيارات منذ سنتين لم يقع خلل في الموازنة العامة، حيث يسمح هذا التوجه الجديد بصناعة الثروة، ما يعني استحداث مداخيل جديدة من العملة الصعبة للخزينة العمومية تكون أفضل من البحث عن المداخيل من خلال استهداف السيارات.
أما فيما يتعلق باقتناء المواطن لسيارة، أكد حميدوش أنّه عندما نتحدث عن سيارة عادية يضاهي سعرها نصف مليار سنتيم بأخذ كل الرسوم بعين الاعتبار سيكون اقتناؤها حلما مستحيلا أو على الأقل صعبا، لأنّ ارتفاع أسعارها إلى هذا الحد يعني مسّ بالدرجة الأولى تنقل وتحرك المواطن، لذلك بقيت الحظيرة قديمة ولم يتم تجديدها بسبب ما يعرفه سوق السيارات من ارتفاع جنوني في الأسعار.
من جهة أخرى، يرفع هذا الوضع حسبه تكاليف أخرى مرتبطة بهذا القطاع كقطع الغيار، حوادث المرور، إلى جانب توجه المواطن إلى النقل الجماعي ما يعيد المجتمع إلى ظاهرة التكدس والاكتظاظ في وسائل النقل المختلفة، ما ينعكس سلبا على جودة الحياة في المجتمع، بالإضافة إلى مساهمته في اختلال توازن وتيرة النمو في الجزائر.
الحلّ ممكن
في هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي أنّ الحلّ ليس بالمستحيل بالنظر إلى الأزمة العالمية وارتفاع سعر السيارات بـ 15 بالمائة على مستوى الأسواق العالمية لارتفاع الطلب بعد خروج العالم من كوفيد والأزمة الصحية الاستثنائية، إلى جانب عدم قدرة الشركات المصنعة للسيارات متابعة الطلب بسبب استحالة الاستجابة له بين عشية وضحاها، لارتباطه بضرورة توفير قطع غيار يتم اقتناؤها من دول أخرى، وهو ما يتطلب العودة إلى التنظيم العادي الذي كان قبل كوفيد-19.
لذلك ومع أخذ كل هذه المعطيات العالمية بعين الاعتبار وبالإضافة إلى انخفاض قيمة الدينار، يرى حميدوش الحل في تخفيض الرسوم والتعريفة الجمركية على السيارات حتى تعود الأسعار إلى الانخفاض إلى النصف.
أما فيما يتعلق بالمتعاملين الاقتصاديين المستوردين للسيارات، قال حميدوش بضرورة تسقيف هامش الربح بـ 10 بالمائة بالنسبة للسيارات السياحية والشاحنات الصغيرة، ومركبات النقل الجماعي، بينما يبقى هامش الربح كما هو بالنسبة للسيارات الفخمة حسب ظروف السوق، حتى يستطيع المواطن اقتناء سيارة بسعر مقبول.