لا تزال الحكومة تنتهج سياسة «شدّ الحزام»، من خلال كبح الواردات وتجميد استيراد آلاف السلع والمنتجات في مقدمتها السيارات، ما أثر سلبا عل سوق المركبات في الجزائر، حيث تعرف الحظيرة الوطنية للسيارات ركودا لم يسبق له مثيل في ظل كثرة الطلب وتراجع العرض، بينما يعاني مستوردو المركبات الجديدة من رسوم وحقوق جمركية ترفع ثمن المركبة، ما جعل المواطن، اليوم، يعيش كابوسا حقيقيا فيما يخص اقتناء السيارات، في انتظار صدور قانون المالية التكميلي للسنة الجارية، وما سيحمله من جديد في الملف، خاصة وأنّ الوضعية المالية للجزائر في تحسّن بعد ارتفاع أسعار المحروقات.
تحدث رئيس لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني الصديق بخوش، عن معضلة ملف السيارات في الجزائر الذي يدخل عامه الخامس بعد توقيف استيراد السيارات سنة 2018، وتوقيف عملية تركيبها في الجزائر سنة 2019، بسبب الفساد الكبير الذي لف العملية وأدى إلى سجن أصحابها، حيث باتت تعرف بعملية «نفخ العجلات» في الجزائر.
وأكّد المتحدث أنّ سعر السيارة الجديدة المستوردة اليوم باهظ جدا بسبب دفع حقوق ورسوم تقدر بـ 49 بالمائة من قيمة السيارة، وهذا حسب الفاتورة التي يقدمها بالعملة الصعبة وهي تكاليف إضافية مرتفعة جدا. طبقا له، يعتقد رئيس لجنة المالية بالغرفة الثانية للبرلمان، في تصريح لـ»الشعب»، أنّ ملف السيارات في الجزائر لا يعتبر من بين أهم أولويات الحكومة اليوم، وهذا بالرغم من أنّ الوضعية الاقتصادية في البلاد في تحسّن تدريجي مقارنة بالسنة الماضية، بعد تسجيل ارتفاع في أسعار المحروقات النفط وللغاز، معتبرا أنّ أولى الأولويات بالنسبة للسلطات العليا في البلاد يتعلق بأمور أخرى على غرار الأمن الغذائي والأمن المائي، لم لهما من عناية خاصة في الظرف الراهن، تماشيا مع المتغيرات الدولية والبيئية الحاصلة.
تماطل الوزارة
وأكد بخوش، أنّ وزارة الصناعة تماطل في ملف استيراد السيارات، حيث أنه في كل مرة تتحدث عن إعادة النظر في دفاتر الشروط وفي كل مرة يتأجل الموضوع، يعتقد الأخير أنّ الإشكال تقني بالدرجة الأولى، كما هو إشكال مالي، لأنّ « وكلاء السيارات قاموا بسحب دفتر الشروط سابقا وأودعوا ملفاتهم، وفي كل مرة يتم دراسة الملفات ويتم إعادة النظر فيها، ويتم إدراج مواد أخرى في دفتر الشروط، ما يبرز أنّ هناك تماطلا في الملف لربح الوقت أكثر لغاية إيجاد الحلول لتطبيق الإجراء مواكبة للتطورات الاقتصادية الحاصلة محليا ودوليا».
وأكد النائب بالهيئة التشريعية الثانية في البلاد، من جهة أخرى، أنّ «احتياطي الصرف غير كاف لأنّه لو تم اللجوء لاستيراد السيارات على حالتها يتطلب الأمر مبالغ مالية كبيرة، أيّ صرف مالا يقل عن 9 مليار دولار في السنة، حسبما تشير إليه المؤشرات وتوقعات»، وهو رقم يثقل كاهل الخزينة العمومية، على اعتبار أنّ معظم السيارات المستوردة سياحية، وتحمل طابعا استهلاكيا.
في وقت من المنتظر صدور مشروع قانون المالية التكميلي للسنة الجارية، شهر ماي الداخل، والذي سيكشف عن معطيات جديدة تتعلق باحتياطي الصرف من العملة الصعبة الذي حدد في قانون المالية الأولي للسنة الجارية بـ 44 مليار دولار، كما سيتم الكشف عن مستوى عجز الميزانية، والذي فاق حسب نفس المصدر 4100 مليار دينار، أيّ ما يفوق 31 مليار دولار، وهذا في ظل تغيّر المعطيات حاليا بعد تسجيل ارتفاع أسعار النفط دوليا.
وأشار ذات المسؤول إلى «جديد وزارة الصناعة، فيما يخص التوجه نحو صناعة السيارات محليا، أو منح دفاتر الشروط لوكلاء السيارات مع احترام نسبة الإدماج التي تصل إلى 40 بالمائة، وهو توجه مقبول لحد كبير».
واعتبر في السياق أنّ « تطبيق هذه النسبة ليست بالسهلة بالنسبة لوكلاء السيارات، للوصول إليها بعد مرور سنة عن نيل الصفقة، حيث يتطلب من الحكومة بذل جهد كبير خاصة في مجال خلق مؤسسات المناولة التي من شانها أن ترافق الوكلاء أو مصنعي السيارات لتوفير ما يحتاجونه من قطع غيار أساسي وثانوي لتركيب السيارات على المستوى المحلي «.
وأضاف يقول « وهو ما يقع على عاتق وزارة المؤسسات الصغيرة والناشئة التي لابد لها من أن تؤدي دورا كبيرا ومحوريا في النسيج الصناعي والاقتصادي، من خلال التوجه مباشرة لخلق مؤسسات ناشئة أو مصغرة بأصناف معينة، تدخل في تركيب السيارات، حتى نخلق في المستقبل المتوسط مؤسسات مناولة تقدم وتوفر الحدّ الأدنى من قطع الغيار الذي يدخل في إطار تركيب السيارات أو صنع السيارات المحلية».
وواصل بخوش تفسيراته بالقول «ليتسنى لهؤلاء المستوردين الذين يفوزون بدفتر الأعباء تحقيق نسبة إدماج تصل إلى 40بالمائة، وماعدا ذلك فتحقيق تلك النسبة صعب جدا في تركيب وتصنيع السيارات المحلية لأنّ الأرضية غير سوية وغير مهيأة تماما لهكذا صناعات».
وتحدث ممثل الشعب في قبة البرلمان، عن قضية استيراد السيارات الجديدة، وقال أنّ أثمانها تصل لأرقام مرتفعة، بفعل تطبيق الرسوم والتكاليف الجمركية التي تقدر بـ 30 بالمائة من قيمة المركبة المستوردة، بالإضافة إلى نسبة الرسم على القيمة المضافة التي تقدر بـ 19 بالمائة، مفسرا الأمر بالقول «إنّ أيّ مواطن لما يلجأ لاستيراد السيارات الجديدة من الخارج سيضطر لدفع حقوق ورسوم تقدر بـ 49 بالمائة من قيمة السيارة، وهذا حسب الفاتورة التي يقدمها بالعملة الصعبة». واعتبر المتحدث أنّها «تكاليف إضافية مرتفعة جدا مقارنة بالسابق، حيث كانت عملية تركيب السيارات تحدث محليا، وكانت معفاة كلية من الرسم على القيمة المضافة، والذي كان يتيح لشريحة كبيرة من المواطنين الحصول على سيارة».
جدير بالذكر أنّ قانون المالية للسنة الجارية تضم إعفاء الرسم على القيمة المضافة على المركبات المستوردة التي لا تتجاوز سعتها 1800 سنتيمتر مكعب ذات محرك بمكبس وإيقاد شرارة بنزين وأخرى بـ 2000 سنتيمتر مكعب.