اتخذ رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خمسة قرارات رئيسية في اتجاه تحسين القدرة الشرائية ومجابهة تداعيات التضخم العالمي، ولعل أهمها فتح ملف “أجور الموظفين” لأول مرة بمراجعة النقطة الاستدلالية.
وأصر الرئيس تبون في الوقت ذاته، على تنفيذ إجراءات رقابية وتشريعية لحماية الاقتصاد الوطني من ممارسات كانت تدفع نحو الانهيار.
يرتبط الرفع من مستوى معيشة الجزائريين وخاصة الفئات المتوسطة والهشة، بشكل وثيق، بالبرنامج الانتخابي للرئيس تبون، ما جعل كافة التدابير المتخذة لهذه الغاية نابعة من إرادة سياسية محضة.
ولاقت الالتزامات المعلنة، عديد الصعوبات قبل التجسيد على أرض الواقع، وحملت بفعل الظروف الطارئة على البلاد كما على جميع دول العالم، طابع “الحمائية” أكثر من مجرد كونها “وفاء بالالتزام”.
لقد وضعت جائحة كورونا وما صاحبها من انهيار سريع لأسعار النفط، الاقتصاد الجزائري أمام تحدي خطير للغاية، فتآكل القدرة الشرائية بات واقعا معززا بحرب نفسية حولت الأنظار نحو تآكل “احتياطي الصرف”.
لكن، الجزائر كانت من الدول القليلة التي نجحت في اختبار إبقاء الباب مقفلا أمام الإعصار المدمر، وحظيت تجربتها الحمائية بإشادة مؤسسات بروتون وودز، والمفارقة أن هذه التجربة مزجت بشكل لافت بين خفض النفقات (تقليص الاستيراد والقضاء على تضخيم الفواتير) وتفعيل الدور الاجتماعي للدولة.
وبعد أقل من 03 أشهر من تفشي فيروس كورونا في البلاد وإقرار تدابير صارمة للغاية للحجر الصحي، وقع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، المرسوم المتعلق برفع الحد الأدنى للأجور من 18.000 دينار إلى 20.000 دينار، ودخل حيز التنفيذ ابتداء من الفاتح جوان 2020.
كان ذلك أول قرار لصالح تحسين القدرة الشرائية للفئات الهشة، والذي سبقه تقديم منح رمزية قدرها 10.000 دينار، للعائلات المعوزة في إطار منحة مجابهة تداعيات الإغلاق العام لمواجهة الوباء القاتل.
زيادة 2000 دينار، للحد الأدنى المضمون للأجور، أرفقت في قرار لاحق، بترسيم إعفاء كل من يقل دخلهم الشهري عن 30.000 دينار من الضريبة على الدخل الإجمالي، فيما خفضت بشكل متفاوت (حسب النسب) لبقية الموظفين والأجراء، في إطار قانون المالية 2022.
وخلال الفترة الزمنية الفاصلة بين القرارين، أظهرت المؤشرات الاقتصادية للبلاد، تحسنا خالف كل التوقعات، بدليل أن صندوق النقد العالمي راجع توقعاته لنسبة النمو في الجزائر لسنة 2021 ثلاث مرات.
لكن الخروج من الدوائر الحمراء، قابله واقع آخر في الأسواق، عانى الجزائريون من ارتفاع مدهش لأسعار كل المواد دون استثناء، فيما بقيت الإجابات عن الأسباب الحقيقية معلقة في دائرة الاحتكار والمضاربة.
بادرت الحكومة “بأخلقة العمل التجاري”، وتحركت فرق التفتيش في كل اتجاه، بينما استمر العبث بأعصاب وجيوب المواطنين لغايات “تخريبية”. قبل أن يأمر الرئيس بسن قانون خاص بتجريم “المضاربة” وسن عقوبات تتراوح ما بين 03 سنوات و30 سنة.
وأكد رئيس الجمهورية، في أزيد من مناسبة، أن المضاربة والاحتكار وفي ظروف صعبة للغاية اعتداء على قوت الجزائريين، ومساس بالأمن والسكينة العامة، كاشفا عن خطط دبرت من أجل خلق الندرة وضرب مخزونات المواد الأساسية.
والثلاثاء، تم إيداع 03 أشخاص السجن بتهمة المضاربة بمادة الموز بولاية البليدة، بعدما حجزت مصالح الشرطة 1243 طن من هذه الفاكهة التي وصل سعرها 800 دينار في الأسبوع الأول من شهر رمضان.
الحرب الشاملة على المضاربة، وتأمين احتياطات البلاد من المواد الأساسية، كانت -إذاً- ثالث قرار يتخذه رئيس الجمهورية. وجندت لهذا الغرض كافة مؤسسات الدولة خاصة الرقابية، على غرار لجنة التحقيق في ندرة مادة الزيت بمجلس الأمة وتحري أسباب ندرة عدد من الأدوية من قبل المفتشية العامة لرئاسة الجمهورية المستحدثة قبل أشهر قليلة.
رفع النقطة الاستدلالية
ولأول مرة منذ عدة سنوات يتم فتح ملف حساس بحجم “أجور الموظفين”، وبعد أسابيع من التحليل والنقاش لقرار رئيس الجمهورية مراجعة النقطة الاستدلالية، صدر المرسوم الخاص بالجريدة الرسمية الذي يحدد بدقة الزيادة.
الشبكة الاستدلالية الجديدة سارية المفعول منذ الفاتح مارس الماضي، نصت على إضافة 50 نقطة لكل صنف، وتمتد إلى العلاوات والتعويضات الشهرية وغير الشهرية، بحسب ما أكدته مديرة أنظمة الرواتب بالمديرية العامة للميزانية بوزارة المالية.
وبحسب ما أفادت به، فإن الزيادة في الراتب الرئيسي تضاف إلى مجموع زيادة بـ65٪ تخص العلاوات والتعويضات، مشيرة في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، أن “ذوي الدخل الذي يقل عن 30.000 دينار يستفيدون من زيادة إجمالية قدرها 6.100 دينار، وتصل بالنسبة لبعض الأجور حسب الراتب إلى 10.000 دينار
وينبغي الإشارة إلى أن رفع النقطة الاستدلالية مقرون بخفض الضريبة على الدخل وإلغائها كليا بالنسبة للأجور الضعيفة (أقل من 30.000 دينار).
ومس القرار 2.7 مليون موظف وعون متعاقد بأثر مالي قدره 220 مليار دينار، مأخوذ من ميزانية الدولة ومن عاتق ميزانية الجماعات المحلية (بالنسبة لـ360 ألف موظف).
الشباب… دعم خاص
وفي قرار استثنائي وغير مسبوق وطنيا وقاريا، رسّم رئيس الجمهورية منحة بطالة بـ13.000 دينار لفائدة الشباب الذين تتوفر فيهم شروط معينة، كلفت وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي بتنفيذها.
وفاق الأثر المالي لهذه المنحة التي تمكن المستفيدين من بطاقة الشفاء، 145 مليار دينار، مرشح للارتفاع حسب عدد المقبولين. والغرض منها منح بصيص أمل للشباب الجزائري في المرحلة الانتقالية بين إنهاء الدراسة والالتحاق بالحياة العملية.
رئيس الجمهورية، لا ينوي التوقف عند هذا الحد، فقد أعلن في آخر حوار له مع وسائل الإعلام الوطنية، عن زيادة في منحة البطالة والأجور مطلع السنة المقبلة، على أن يضبط حجم الزيادة عقب صدور النتائج النهائية للمداخيل الوطنية.
تجدر الإشارة، إلى أن قانوني المالية 2021 و2022، وقانون المالية التكميلي 2021، لم تتضمن أية زيادة في الضرائب المباشرة على المواطنين أو زيادة في أسعار المواد الأساسية (الوقود)، رغم حالة التضخم العالمي المرتفع للغاية.