أجمع أساتذة في مجال الإعلام، وصحفيون ومراسلون، على ضرورة احترام مهنة الصحافة، والعمل باحترافية وعدم الجري وراء السبق الصحفي الذي يوقع أصحابه في أخبار مغلوطة، مؤكدين أن الصحافة المحترفة هي التي تقف كخط دفاع لصد الشائعات التي تبث في الفضاء الرقمي وغيره. وأضاف هؤلاء، في استطلاع أجرته “الشعب”، أن هناك العديد من التحديات التي تواجه الصحفي على ضوء تزييف الحقائق وبث الشائعات والأخبار الكاذبة.
أهم ما قاله أساتذة الإعلام والصحفيون، ان الصحفي المحترف هو الذي يعرف كيف يتعامل مع الأخبار ولا يقع في فخ أجندة أطراف همها زرع التفرقة داخل المجتمع، وأن الصحافة المحترفة لا يجب أن تشوه سمعتها بالأخبار المغلوطة، وإنما تسعى دائما إلى تحري المهنية والمصداقية.
الإعلام تحكمه قواعد
يرى البروفيسور في علم اجتماع الاتصال، بجامعة وهران-2، عمار يزلي، أنه “على الصحفي المهني، أن يتبع القواعد العامة لنشر المعلومة والتي تعتمد على صدقية المعلومة والخبر، على ضوء تقاطع “الأخبار” و«المعلومات” والتي أغلبها مضللة وغير يقينية، كونها لا تصدر في كثير من الأحيان عن صحفيين أو صحف محترفة، ويجد الصحفي نفسه في ظل البحث عن السبق الصحفي والخوف من قتل الخبر وتضييعه ساخنا، مقبلا أحيانا على التقاط معلومة أو “خبرا” من أية جهة تبدو وكأنها مصدرا، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي.
وهذا أكبر خطأ يرتكبه الصحفي ـ حسبه ـ لأن المعلومة لا يمكن أن تنقل أو تنشر في وسيلة إعلام مهنية قبل أن تخضع للفترة، لذلك يجب أن يطرح الصحفي على نفسه أولا السؤال الكلاسيكي: هل تستجيب “المعلومة” و«الخبر” لمقاييس وقواعده الخمسة؟ هذا أول فيلتر يحتكم إليه الصحفي؛ ذلك أنه غالبا ما نجد معلومة على وسائل التواصل الاجتماعي تنشر من أي مالك لصفحة أو حساب، ولا تشير لا بالاسم الصريح لصاحب الصفحة أولا، ولا نجد “للخبر” أو “المعلومة” لا تاريخ الخبر ولا مكانه بالضبط، ولا صاحبه ولا أية معلومة عن مصدر الخبر.
فهذه المعلومة لا يمكن أن أنشرها كصحفي محترف، لأنها لا تستجيب لشروط الخبر الصحيح. وعلى سبيل المثال، كأن يكتب أحدهم في صفحة على الفايسبوك: وقع حريق مهول غرب مدينة سطيف، وأسفر عن كذا وكذا.. فهذا خبر غير دقيق إن لم يكن كاذبا “فايك نيوز”. فالمكان غير محدد بدقة ولا الوقت. وحتى الصورة إذا كانت مرفقة فلا تعتبر دليلا، في وجود فبركات للصور والفيديوهات أيضا. لهذا، فالمطلوب من الصحفي التأكد بنفسه عن طريق وسائله الخاصة واتصالاته ومعارفه أو من أوساط مأذونة ورسمية. وحتى وان كان هذا يؤثر على سرعة نشر المعلومة، لكن أفضل من أن تنشر معلومة مغلوطة أو كاذبة أو مغرضة أو مضللة.. عدو الجري وراء الاثارة دون أن يكلف نفسه مشقة البحث عن الحقيقة.
الصحفي ليس ببغاء
وقال يزلي، “إن وسائل التواصل الاجتماعي، وحسابات الفيسبوك وتويتر، منصات فردية وخاضعة لأهواء الأفراد وليس كلها لصحفيين مهنيين يخضعون لسيف أخلاقيات المهنة”. وأضاف، “فهؤلاء هم عبارة عن أشخاص عاديين ينشرون عبارات وصورا وما يريدون أو ما يعتقدون أو ما يصدقون، وغالبا ما تكون إعادة نشر مضامين ورسائل ومعلومات تصلهم من معارف أو مجاهيل لا يعرفون صدقيتها، إذ أنه بمجرد أن تصل أحدهم معلومة أو صورة أو تعليق أو خبر من صديق أو أحد اتصالاته على الهاتف أو وسائط التواصل، حتى يعيد نشرها ويبثها لأكثر من شخص، والمعلومة المضللة تنقل هكذا بدون رغبة صاحبها، سواء عن حسن نية أو عن “نية” زائدة عن اللزوم، لأنه صدق شيئا غير صحيح، ربما لأنه يثق في من أرسلها إليه، مع العلم أن من أرسلها إليه هو الآخر قام بتقاسمها مع آخرين حتى بدون تمعن وتحقق.
ويتابع أستاذ الاتصال بجامعة وهران، “يحدث هذا مع عامة المستعملين، لكن هذا الأمر لا يجب أن ينطبق على الصحفي المهني المحترف الذي يعرف أن الخبر والمعلومة أمانة وأخلاق وأنه “إنْ جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا..”.
وحول الذي ينبغي القيام به من إصلاحات لقطاع الإعلام، لترقية دوره وبلوغ الاحترافية، أكد عمار يزلي أنه ليس كل ممتهن لمهنة الصحافي “مهني”، مشيرا إلى أن المهنية والاحترافية، تتمثل في شقين: مزاولة المهنة في صحيفة معتمدة، إلكترونية كانت أم ورقية، مرئية أو مسموعة، ثم مهنية العمل الصحفي الذي يخضع لأخلاق المهنة وقواعد النشر التي تعلمها الصحفي ودرسها في أقسام علوم الاتصال والصحافة أو تعلمها عن طريق الدورات التدريبية…إلخ.
وأضاف، بأن “الإصلاحات التي ينبغي أن نقوم بها من أجل ترسيخ تقاليد النشر المهني كثيرة جدا، تبدأ بالمؤسسات وتنتهي بالصحفي الفرد.
وتابع “أولا، لابد من سن قوانين وضبط العمل الصحفي ومهنة الصحفي المحترف: من هو الصحفي المحترف؟ واجباته، وظيفته، مهامه، طريقة العمل، أخلاق المهنة… كل هذا في قانون أساسي للعمل الصحفي الذي يحدد الأطر العامة للعمل الصحفي. هذا سيؤدي حتما إلى حصول كل صحفي محترف تابع للمؤسسة الإعلامية على بطاقة مهنية.
وأنا ـ استطرد ـ أريد أن أضيف شيئا بعد ذلك، وهو أن يتم تأدية الصحفي للقسم عند تسلمه البطاقة، تماما كما يقوم القاضي أو المحامي أو غيرهما بالقسم المهني عند بداية تأدية وظائفهم، القسم على احترام أخلاق المهنة وعدم المساس بحرمة الغير والقذف والتشهير والنشر بغير دليل أو سند أو مصدر واضح أو مأذون إلخ..
ويرى المتحدث أيضا، أنه “من بين الإصلاحات أيضا التكوين، وهو أمر ضروري. التكوين الدوري في مؤسسات إعلامية ذات سمعة. هذا الجانب على المؤسسة أن توفره لصحافييها مستقبلا، علاوة على دورات التكوين المحلية والأيام الدراسية واللقاءات الدورية وعرض تجارب صحفيين كبار حضوريا، يضاف إلى ذلك تثقيف الصحفي لنفسه بنفسه والتكوين الذاتي المستمر.
ويعتقد يزلي أن “كل قطاع في الإعلام والاتصال بحاجة إلى إعادة نظر، خاصة مع نظام الرقمنة وانتشار المعلومة بسرعة قصوى أكثر من أي وقت مضى وانتشار وسائل النشر والإعلام… والتي صارت تملك هي الأخرى منصات على وسائل التواصل الاجتماعي. أدى هذا إلى استسهال مهنة الصحافة وصار كل من ينشر في الفضاء الأزرق يتقمص دور الصحفي وما هو بذلك.
وأنه “على الصحفي المحترف أن يعرف كيف يتعامل مع “الفايك نيوز” وهي الغالبة أحيانا على الفضاء الأزرق، ولا تصبح هوسه ولا مبتغاه. فالمعلومة الصحيحة أحسن من ألف معلومة غير دقيقة أو مشكوك في صحتها، فضلا عن كذبها المطلق أحيانا.
ضرورة العمل بالآليات القانونية والتكوينية
يؤكد يزلي ضرورة العمل بالآليات القانونية والتكوينية فيما يتعلق بمكانة صانع الخبر الذي هو الصحفي، من حيث الراتب والضمان الاجتماعي والعلاوات والتدرج المهني من صحفي مكتبي أو ملقط للخبر، إلى محرر ثم محقق فمحقق كبير، فكاتب عمود…إلخ. هذه الهرمية موجودة إلى اليوم في وسائل الإعلام العمومية، لكن لا نجدها في الصحف الخاصة.
إذ تجد صحفيا امتهن الصحافة من خارج الإعلام لسنتين أو ثلاث، ثم يصبح ـ بقدرة قادر ـ رئيس تحرير، من دون أي أن يمر عبر سلم التدرج المهني أو اكتسابه للخبرة، لذلك يجب أن تخضع وسائل الإعلام الخاصة لدفتر شروط تتضمن كل هذه العناصر، هذا فضلا عن القنوات الفضائية التي يجب أن تقنّـن ويخصص لها دفتر شروط بإقامة محلية وتخضع للقوانين المحلية ولآليات البث والعمل بشكل عام.
صحة المعلومة تصنع الفارق
وهو نفس ما ذهب إليه الصحفي وأستاذ الإعلام والاتصال بجامعة بشار، عبد القادر دريدي، بأن أهم شيء هو أن يعمل الصحفي وفق مبادئ المهنة، وانضباط وأخلاق، دون أن ينجرف إلى فوضى الإعلام الشعبي الذي ينشر الأخبار، حيث يأمل بأن يسير هذا النوع من الإعلام، على خطى كبريات وسائل الإعلام التي تعلي مبادئ الشرف المهني، وتقف حارسة على المصلحة العامة، وعلى ضميرها المهني، وهذا ما جعلها تصل إلى المكانة التي هي عليها الآن. وقال دريدي، “إن الفضاء الرقمي هو مجال للنشاط الصحفي، حيث يمكن من خلاله الحصول على المعلومات ونشرها بشكل سهل وسريع، غير أن هذا لا يجب أن يتجاوز المبادئ الأساسية للعمل الصحفي، والتي من أهمها التأكد من مصدر الخبر، إذا كان للخبر مصدر أو تأكيد الخبر من مصادر مختلفة ذات موثوقية عالية، وهذا بالضبط ما يصنع الفارق بين الإعلام المحترف والإعلام الشعبوي في الفضاء الرقمي والذي عادة ما يتغذى من الإشاعة لتحقيق نسب مشاهدة عالية لهدف أساسي وهو تحقيق الربح المادي دون مراعاة الصالح العام.
وعليه، فالصحفي المحترف هو الصحفي الذي يتحرى الحقيقة، لأنه مطالب بالمصداقية، وهذا بالضبط ما نجده في مدونات الشرف المهني الخاصة بكبريات وسائل الإعلام في أوروبا والولايات المتحدة”.
ويرى الصحفي وأستاذ الإعلام عبد القادر دريدي، أن بداية إصلاح قطاع الإعلام يتحقق بالانفتاح على الجامعة والتعاون المثمر مع أساتذة الاختصاص والفاعلين في الحقل الإعلامي، حيث قال: “إن النظرة إلى قطاع الإعلام لازالت نظرة يغلب عليها الطابع الإداري، ولهذا لم يتم تجسيد إصلاح حقيقي للقطاع، وتتضح هذه النظرة من خلال النصوص التشريعية التي ترى الصحفي بنظرة الموظف، في حين أن هذه المهنة تشهد تطورات سريعة كل سنة بفعل تطور الوسائط والأوعية وتطور المهارات أيضا”. ولهذا من الضروري والعاجل انفتاح وزارة الاتصال على الجامعة الجزائرية، لأنها المرجع مثلما هو الحال في كل الدول القائمة على المنطق المؤسساتي”.
وختم يقول، “هناك اختلالات هيكلية في قطاع الإعلام لا يمكن اكتشافها إلا بالإصغاء إلى كل الفاعلين في القطاع من مهنيين، باحثين وأساتذة وقانونيين، دون ذلك سيظل القطاع في حالة الفوضى التي هو عليها منذ عقود جعلت الصحفيين في حالة يرثى لها”، يضيف المتحدث.
تجاوز الحدود
يشير الصحفي ورئيس المجلس الولائي للصحفيين بولاية بشار، مصطفى ياسر عثمان، إلى أن الفضاء الرقمي لا يقتصر على بث الأخبار الكاذبة، وإنما قد يسيئ أيضا إلى حياة الأشخاص والمجتمعات، حيث قال: “المعلوم لدى الصحفيين أن الخبر يبدأ من الإشاعة وللتأكد منها يجب على الصحفي تقصي الحقائق من كل الأطراف وهنا ليس كل صحفي يمكنه التحري أو تقصي الحقائق إذا لم يكن يمتلك خبرة في الميدان ورصيدا علميا ومصادر مختلفة ومتنوعة تمكنه من تقصي حقيقة الإشاعة، لأنه إذا لم يكن كذلك فسيقع في فخ الإشاعة ويكون مصدرا آخر لنشرها”.
يتابع، “لقد أصبح الفضاء الرقمي اليوم مصدرا للمعلومات، يعتمد عليه الكثير من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، للأسف، وهو ما يتنافى مع أخلاقيات المهنة التي تقضي بالتأكد من الخبر قبل نشره، مع مراعاة بعض التحفظ حسب طبيعة العمل، فلا يمكن أن ننشر خبرا يتعلق بالحياة الشخصية للأشخاص، خاصة الشخصيات السياسية ولو كان الخبر صحيحا. لكن، للأسف، أصبحت الفضائح وتسريب المعلومات الخاصة من اختصاص بعض الصحفيين وحتى المؤسسات الإعلامية وهذا قصد جلب المشاهدات والمتابعة عبر المواقع.
الخبرة تُحصّن الصحفي
وأضاف ياسر، أن خبرة الصحفي ورصيده العلمي هي التي تضبط أداءه، وتمكنه من العمل دون الوقوع في أخطاء، وأنه من الضروري أن يضع الصحفي ميولاته السياسية والشخصية جانبا، وأن ينحاز إلى المهنية فوق أي انتماءات أخرى، “كما يجب على الصحفي أن يكون حياديا ويبتعد عن ميولاته السياسية والاجتماعية وتجنب ميولاته الشخصية خلال عمله واستحضار الضمير المهني لكي لا يكون بوقا للفتن وناشرا للمعلومات الكاذبة”.
ولذلك، يرى “ياسر” أنه من الواجب تطهير القطاع الإعلامي من الدخلاء، على حد تعبيره، داعيا الوزارة المعنية إلى تنظيم المهنة وعلاج بعض المشاكل التي أصابت الصحافة، بالتنسيق مع الجهات الفاعلة في الميدان، حيث قال: “لترقية قطاع الإعلام بالجزائر علينا أولا تطهير القطاع من الدخلاء على المهنة، فقد أصبح كل من هب ودب ينتحل صفة الصحفي أو الإعلامي ويتجول في البلاطوهات وهو لا يعرف حتى أبجديات العمل الصحفي، ومن هنا وجب على وزارة الاتصال اتخاذ تدابير مع المؤسسات الإعلامية في مجال التوظيف واعتماد الشهادة العلمية أولا والخبرة المهنية، ثانيا لأننا نعلم جيدا أن هناك من الصحفيين خريجي الجامعات لا يمكنهم حتى تحرير مقال وتجدهم على رأس مؤسسات إعلامية خاصة يملون أوامرهم على الصحفيين وهو أمر منتشر جدا وسط المؤسسات الإعلامية الخاصة ولهذا يجب مراعاة جانب الخبرة المهنية التي أصبحت ضرورية في التوظيف. أعتقد أنه حان الوقت لإشراك الشريك الاجتماعي لتصفية القطاع من الدخلاء وتطهيره من الرداءة. ولتحقيق هذا المبتغى حان الوقت ليقوم المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين، بالتنسيق مع وزارة الاتصال، بتفعيل دور مكاتبه الولائية لتحيين قوائم الصحفيين وفتح المجال أمام الصحفيين الحقيقيين لبلوغ الاحترافية في العمل وتقديم مواد إعلامية هادفة ومتنوعة بعيدا عن التقليد الأعمى للبرامج الغربية وغير الهادفة”.
التسرع يؤدي إلى نقل أخبار كاذبة
أكد صحفي في قناة البيبان دحمان جمال، أن الصحفي المحترف لا يعتمد على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر يستقي منه المعلومة، خصوصا أن هناك أطرافا تسوق إيديولوجياتها عبر هذه الوسائط، حيث قال “على الصحفي أن يلتزم المصداقية والشفافية وتحري المعلومة من المصدر الموثوق وعدم الانحياز إلى طرف واحد. بهذا العمل يستطيع الإعلامي المحترف أن يتفادى فخ مصيدة الفضاء الرقمي وبالعمل الاحترافي هذا يقضي على أبواق الفتنة وتفادي نشر المعلومات الكاذبة”.
ودعا المتحدث المؤسسات الإعلامية إلى اختيار الصحفيين النزهاء، لتحقيق هدف الرسالة الإعلامية، وعدم إتاحة الفرصة إلى غيرهم ليسيئوا إليها.
كما قال أيضا، “إنه لا ينبغي وضع فوارق بين الصحفي والمراسل، لأن هناك مراسلين مؤهلون لتأدية نفس العمل الذي يقوم به الصحفيون المحترفون، سواء داخل الوطن أو خارجه، حيث قال: “عدم وضع الفوارق بين الإعلاميين والاهتمام بالمراسلين، كذلك أن المراسل نجده في كل أقاليم التراب الوطني أو حتى خارج التراب الوطني، فيجب عدم تهميشهم، لأنهم يؤدون نفس دور الإعلامي الموظف على مستوى أي مؤسسة إعلامية، جريدة كانت أو وكالة أنباء أو قناة تلفزيونية، بالإضافة إلى توفير الدعم المادي والمعنوي وبهذا يمكن أن نصل إلى الاحترافية.