تمكن الإعلام الجزائري بالرغم من غياب مصادر الخبر وبعض المشاكل التي تواجهه من تحقيق نتائج ايجابية ودافع عن العديد من القضايا العادلة وطنيا أو دوليا، لكنه يحتاج بصفة ضرورية إلى إرساء تنظيم لتخليصه من الفوضى والهشاشة التي يعاني منها وأثرت بشكل كبير الأداء الإعلامي، وشرح أستاذ الإعلام والاتصال مدير مخبر الدراسات الإعلامية والاتصالية بجامعة سكيكدة جمال بن زروق في هذا الحوار لـ» الشعب « وضعية القطاع وكيفية الارتقاء بمهنة المتاعب.
الشعب: كيف هو واقع الإعلام في الجزائر؟
جمال بن زروق: الإعلام بالجزائر بالرغم مما حققه يبقى القطاع المهني الوحيد غير المنظم، وبالرغم من أنه يضم فئة النخبة والمثقفين بحيث لا يزال يعاني من العديد من المشاكل والعراقيل التي قد تنعكس سلبا على أدائه وتحول دون تمكينه من التقدم أكثر خاصة على ضوء غياب نقابة للناشرين ونقابة قوية للصحفيين .لهذا فإن هاجس الخوف من الوقوع في الجرائم الصّحفية يفرض نفسه على سياسة تحرير اليوميّات.
وضعية الإعلاميين في الجزائر تدعو إلى دعم حالتهم الاجتماعية ووضعيتهم، لا يوجد لحد الآن نقابة مستقلة تدافع عن حقوق الصحفيين، بالرغم من أن الجزائر خطت عدة عقبات في تطوير مجال السمعي البصري.
تردي مستوى الصحفيين والذي يرجع إلى عدة أسباب، من بينها ضعف تكوين الصحفيين وعدم اهتمامهم بالصحافة المكتوبة، اختلال في القاعدة المعرفية لبعض منهم، وكذلك اقتحام دخلاء المهنة للمجال.
تدني مستوى المعالجة الإعلامية، سواء في الصحف المكتوبة أو في القنوات الخاصة، لضعف التكوين وغياب عمليات الرسكلة، لكن هذا لا يعني عدم وجود بعض الصحفيين الأكفاء الذين يسعون لتقديم أعمال مميزة تستحق التشجيع.
كل التجارب والآليات والميكانيزمات التي طبقت من أجل تطوير هذا القطاع الهش مثل المجلس الأعلى للإعلام وسلطة الضبط السمعي البصري وسلطة ضبط الصحافة المكتوبة، هي آليات فشلت في بداياتها الأولى بالنظر إلى تركيبتها التي يطغى عليها الجانب الإداري والانتقادات التي تتعرض لها خاصة من طرف المهنيين.
ما تقييمك للأداء الإعلامي في ظل ما تشهده الساحة الإعلامية من زخم كبير في الجرائد والقنوات التلفزيونية؟
هناك بعض الأمور يجب التركيز عليها أبرزها غياب مصادر الخبر، ونقص ثقافة الاتصال التي تقف حجرة عثرة أمام عمل الصحفي ومصداقيته، وموضوعيته مما يحول دون تمكنه من الحصول على معلومات رسمية وحقيقية.
وجود الديمقراطية وحرية التعبير في الجزائر بشكل واضح، والدليل على ذلك الكم الهائل من الصحف منها أربع صحف كبرى أصبحت لها مطابعها الخاصة، أضف إلى ذلك العدد الكبير للسحب الذي يرتفع يوما بعد يوم.
المواثيق المحددة لأخلاقيات الإعلام أو ميثاق الشرف الصحفي لا يزال يكتسيهما الغموض، فقد أغفلت عدّة جوانب تمس العملية الإعلامية والاتصالية، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بتحديد حدود نشر أو منع نشر المضامين الإعلامية بمختلف أشكالها: نصوص، رسوم كاريكاتورية، صور.. وغيرها.
تتشكل خدمات الاتصال السمعي البصري المرخص لها من القنوات الموضوعاتية فقط، والتي يقصد بها البرامج التلفزيونية أو السمعية التي تتمحور حول موضوع أو عدة مواضيع، ولا يسمح لها بإدراج برامج إخبارية إلا وفق حجم ساعي يحدد في رخصة الاستغلال، وترك للنصوص التنظيمية تحديد كيفيات تطبيق ذلك.
يجب الإشارة إلى أن تشكيلة سلطة ضبط السمعي البصري يغيب عنها أصحاب المهنة، عكس سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي يشكل فيها الصحفيون نصف عدد الأعضاء، واحتكارها لمؤسسة البث الإذاعي والتلفزي، إضافة إلى الاحتفاظ بصلاحية منح الرخص للقنوات أو رفضها، أضف إلى ذلك ازدياد عدد المشاهدين الرافضين لمحتوى بعض القنوات وبرامجها، فحدث هناك خلط وتعدد للقنوات وإغلاق بعضها الآخر.
انطلاقا من هذا الواقع الذي شرحته أصبح تنظيم قطاع الإعلام أكثر من ضرورة لتخليصه من النقائص والاختلالات التي يعاني منها، من أين نبدأ؟
يبدي الرئيس الكثير من الاهتمام لدعم الصحافة وحرية التعبير، بقواعد الاحترافية والمصداقية للحصول على صحافة قوية وذات مصداقية. والذي يعتبر اشارة سياسية واضحة للسلطة التنفيذية على ضرورة الاهتمام بهذا القطاع وعدم الخوف والتحجج بالخوف على الأمن أو .. خاصة وان قطاع الإعلام تعتريه العديد من الاختلالات بسبب الفوضى التي يعاني منها على ضوء فراغ قانوني أثر بشكل جلي على الممارسة الإعلامية، وأفقدها الكثير من مصداقيتها وفعاليتها في التعاطي مع مختلف القضايا الحيوية.
كيف يكون تنظيم هذا القطاع، بحسب تصوّرك،خاصة وأن هناك مشروعي قانوني، الأول للصحافة المكتوبة والإلكترونية، والثاني خاص بالسمعي البصري قيد الإعداد؟
في ظل وجود إرادة سياسية قوية من طرف أعلى مؤسسة في الدولة، متمثلة في رئيس الجمهورية فهي فرصة لتطوير هذا القطاع من خلال التطبيق الصارم لكل قوانينه. هذه المشاريع الجديدة سواء ما تعلق بالسمعي البصري أو الصحافة المطبوعة تسمح بـ :
-وضع إطار تشريعي يلبي تطلعات المواطن في مجال المعلومة الكاملة والموضوعية وللاحتياجات التنظيمية لمهنيي الإعلام، وكذا لمهام الخدمة العمومية والمنفعة العامة».
-تعزيز حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية وتشجيع ظهور صحافة متجذرة في الواقع الوطني ومدركة للرهانات وتحترم الأخلاقيات والأدبيات».
فسح المجال أمام الصحفي سواء في الصحافة المكتوبة أو السمعي-البصري أو الصحافة الإلكترونية، على أن يكون أكثر احترافية، فضلا عن تحسين شروط وضعه في عمله، وكذا مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة».
كما لا بد من تعزيز ضمانات حماية حرية التعبير وتدقيق المفاهيم الخاصة بها، وخاصة ما يتعلق بمنح صفة الصحفي المحترف، ومعايير ترقية جودة الخدمة الإعلامية وبناء خطاب إعلامي مسؤول، فضلا عن ضمان شفافية تمويل وسائل الإعلام.
ما هي المكونات الأساسية برأيك لبناء إعلام قوّي ذا فعالية ومصداقية في الداخل قادر على مواجهة الهجمات الإعلامية التي تتعرض لها الجزائر من الخارج؟
يجب أن يكون الإعلام مستقلا، وأشير هنا أن مطلب استقلالية الصحافة مطلبا سياسيا قبل أن يكون مطلبا إعلاميا، ففي حال تمّ فسح المجال للصّحافة الخاصّة من خلال منحها حق الإشهار، فإنّ ذلك سيجنّبها الوقوع تحت رحمة اللوبيات الخفية التي تمتلك المال، وتستغلها منبرا لفرض إيديولوجيتها أو حماية مصالحها، لأنّ غياب الاستقلالية سيجعل مستقبل الصحف تجاريا بحتا تتحكم فيه رهانات السّوق.
يجب أن تتحلى سلطات الضبط والرقابة سواء كانت في السمعي البصري أو الصحافة المطبوعة بقسط كبير من الاستقلالية من حيث تشكيلتها، ومن حيث صلاحياتها، وهذا يتطلب إرادة سياسية واضحة وقوّية، توفر مناخ منظم ومحفز لنشاطات السمعي البصري العمومي والخاص الذي من شأنه المساهمة في»ترقية صورة وصوت الجزائر داخل الوطن وخارجه.
ولابد كذلك من إحداث الشفافية والشرعية اللازمة على النشاطات السمعية البصرية، خاصة عن طريق اعتماد دفاتر شروط في شكل اتفاقيات يؤطرها القانون، وتلزم كلا من القنوات العمومية والخاصة بالامتثال للقانون وباحترام آداب وأخلاقيات المهنة، لاسيما عن طريق التزام المؤسسات بتجنب الاحتكار واحترام كل مساهم شرط عدم حيازته على أغلب الأسهم لكي لا ينفرد بالقرار، وتحديد مصادر التمويل بدقة وشفافية ومنع أي تمويل غامض أو مشبوه المصدر، وتوضيح طبيعة القناة وهويتها وأهدافها ومحتويات برامجها، كما انه من الضروري وضع تعريف دقيق للصحفي المحترف في كل التخصّصات الإعلامية وكذا المهن الملحقة بالقطاع.