يعتبر الجزائري مصطفى غربال من أفضل الحكام في القارة الأفريقية والعالم في الفترة الحالية بحكم الأداء الكبير الذي يقدمه خلال المباريات التي يديرها على كل الأصعدة، حيث يقوم بدوره بكل نزاهة وإخلاص فوق المستطيل الأخضر مهما كانت الصعوبات بالنظر للتأثير الكبير للتحكيم في نجاح المواجهات من عدمها، يأتي ذلك لأنه أحب هذه المهنة منذ صغر سنه، فبعدما كان يطمح ليصبح لاعب كرة القدم غيّر وجهته إلى التحكيم، الذي تعلق به من خلال تنقلاته رفقة والده في التربصات التي كانت تقام في وهران، وعمل على تعلّم كل الأبجديات والقوانين الخاصة بهذا الجانب، وشارك في دورات وتربصات ليسجل اسمه مع مرور الوقت مع ألمع الحكام حاليا، الأمر الذي جعلنا نسلّط الضوء على ابن مدينة وهران في هذا الحوار الذي جمعنا مع صاحب 36 ربيعا في عدد اليوم من «الشعب ويكاند».
– الشعب ويكاند: كيف كانت بداياتك في عالم التّحكيم؟
في البداية كنت لاعبا لكرة قدم عندما كان عمري 10 سنوات رفقة نادي وهران الذي تدرّجت معه في كل الفئات الشبانية من الأصاغر إلى الأشبال، لكن بالنظر لتركيزي على الدراسة وصعوبة المهمة للتوفيق بين الجانبين ابتعدت عن ممارسة الكرة ولكني بقيت قريبا من الميادين من خلال التنقل رفقة والدي الذي كان رئيس رابطة وهران لكرة القدم في تلك الفترة في سنوات التسعينات، وكنت في كل مرة أحضر في المواعيد التي تتعلق بالتحكيم من خلال التربصات التي كانت تقادم للحكام أُعجبت كثيرا بهذا المجال، وشرعت في البحث عن كل التفاصيل المتعلقة به، وبعدها قرّرت أن أدخل هذا العالم في الفئات الشبانية، وتلقيت تكوينا لكي أتمكن من احترافه في الواقع كنت حينها في سن 15 سنة إلى غاية اليوم.
– متى كانت انطلاقتك الفعلية في الميادين؟
أولى خطواتي في مجال التحكيم كانت من خلال المشاركة في تربصات، حيث كنت حكما مبتدئا في سنة 2001، وتعلمت قوانين اللُّعبة لأنها تعتبر جد مهمة وضرورية للنجاح، من خلال المشاركة في التربصات التكوينية واختبار اللياقة البدنية، حيث كنت بعدها أُحكم للأصناف الصغرى وهران، ثم حكم الدرجة الثانية في الفئات الشبانية وبعدها حكمت للأكابر في البطولة الولائية، ثم مررت باختبار بدني وتربص تطبيقي، إضافة إلى مباراة تطبيقية بحضور لجنة ملاحظة من أجل تنقيط الحكام لمعرفة الناجحين، حيث ارتقيت إلى حكم جهوي كنت حينها أحكم للجهوي الأول والثاني لمدة 3 سنوات تقريبا ثم شاركت في امتحان حكم ما بين الجهات أصبحت بعدها أُدير لقاءات ما بين الرابطات والدرجة الثانية من 2009 إلى غاية 2012، حيث أصبحت حكم فيدرالي بعدما اجتزت الامتحان البدني والمباراة التطبيقية، حيث قمت أيضا بتحكيم لقاءات من القسم الأول والثاني ونجحت فيه بحضور لجنة مركزية من الاتحادية الجزائرية لكرة القدم أين منحني بلعيد لاكارن تنقيط سمح لي بالنجاح في هذا الموعد.
– ما هي أبرز المحطّات التي رافقتك في مشوارك على المستوى الوطني؟
حكمت مواجهة جد مهمة سنة 2011 جمعت بين أولمبي الشلف وجمعية الخروب، وهناك عديد المحطات التي توالت فيما بعد منذ أن أصبحت أحمل شارة حكم فيدرالي، حيث أدرت نهائي كأس الجزائر الذين جمع بين وفاق سطيف وشباب بلوزداد بملعب 5 جويلية الأولمبي وبتاريخ 5 جويلية أي بمناسبة عيد الاستقلال، وهو من بين أهم اللقاءات كان ذلك سنة 2017 لأنه أول نهائي أديره، والجميع يعرف الضغط الموجود بالنظر إلى الشعبية الكبيرة لكلا الفريقين والقاعدة الجماهيرية لكل طرف..والحمد لله وفقت في تسييره كما يجب ومن دون خطأ، وقبلها كانت محطات عديدة سواء في البطولة الوطنية أو الكأس آخرها نهائي كأس الرابطة الذي جمع بين شبيبة القبائل ونجم مقرة.
للإشارة، أنا أول حكم محترف في الجزائر، وما زال لدي عديد الأهداف لأن طموحي كبيرة، وأسعى لمواصلة المهمة بكل إخلاص وتفان في كل المواعيد سواء وطنية أو دولية.
– كيف تقيّم المأمورية بالنسبة للحكم خاصة في اللّقاءات الصعبة؟
هناك صعوبات خلال ممارسة مهنة التحكيم لأنّها مسؤولية كبيرة لتقديم الأفضل بهدف ضمان سير اللقاء صحيحة وفي إطارها القانوني من خلال والتركيز الجيد والمثابرة على تفادي الأخطاء التي قد تكون، لكن لا يخفى على الجميع أن الحكم هو إنسان، وبإمكانه أن يخطئ في بعض الأحيان بسبب عدم تمركز جيد أو عدم قربه من اللقطة أو عدم جاهزيته البدنية، إضافة إلى الضغط الذي يميز بعض اللقاءات كل هذه العوامل لها علاقة مباشرة مع مهمة إدارة المباريات، إلا أن النزاهة والتفاني السعي للنجاح من شأنها أن تساعد على تجاوز النقاط سالفة الذكر، هذا ما أطمح إليه دائما حيث أجهّز نفسي لكي أقدّم مستوى جيدا في المهام التي توكل إلى شخصي مهما كانت نوعية المباراة وصعوبتها، وثقتي بنفسي تمنحني إرادة أقوى ودافعا معنويا أكبر لأستغل إمكانياتي في إدارة المواجهات، وهناك نقطة أخرى أترك دائما الضغط جانبا وأدخل المباراة بصفة عادية، ولا أبالي لأي شيء آخر ليس له علاقة بمهمتي، وهذا من بين العوامل التي ساعدتني على النجاح.
– من ساعدك على النّجاح في مهمة التحكيم؟
مثلما سبق لي القول كنت قريبا جدا من هذا المحيط بحكم أن والدي كان رئيس رابطة وهران، لكن الفضل الكبير في نجاحي يعود للحاج بلعيد لاكارن الحكم الدولي السابق الذي كان السند ووثق في إمكانياتي، وشجّعني كثيرا من أجل المواصلة لأنه كان يرى في شخصي أنني أملك صفات حكم ناجح، وبالفعل تمكّنت من اجتياز الامتحانات التي كانت تقام في كل المراحل إلى غاية حصولي على شارة حكم فيديرالي وكان على رأس لجنة التقييم، حيث كان يراقب كل ما أقدّمه خلال المباريات التطبيقية التي تدخل ضمن امتحان اجتياز المرحلة من حكم ولائي إلى جهوي، ثم ما بين الرابطات وصولا إلى آخر مرحلة وأعجب بما كنت أظهره فوق المستطيل الأخضر، ولهذا فإنّ الفضل كله يعود لهذا الرجل في وصولي لما أنا عليه اليوم، ومن هذا المنبر أوجّه له تحية احترام وتقدير واشكره على دعمي المتواصل، إلى جانب عائلتي الوالدين والزوجة وكل الأقارب والأصدقاء الذين كانوا لي السند الحقيقي، خاصة في اللحظات الصعبة.
– متى انطلق مشوارك الدولي؟
الانطلاقة كانت سنة 2014 عندما شاركت في دورة بقطر، وهي دورة الاتحاد العربي لأقل من 17 سنة، وكانت في شهر ماي التي فتحت أمامي الباب نحو التحكيم الدولي، حيث تمّ وضع اسمي ضمن قائمة الحكام الشباب الذين شاركوا في التربص الذي نظمه الاتحاد الأفريقي لكرة القدم في أوت 2014 بالكاميرون، وهناك اكتشفوا موهبتي وإمكانياتي في التحكيم، وتم استدعائي في جانفي 2015 للمشاركة في كأس أفريقيا لفئة أقل من 17 سنة بالنيجر، وكانت أول مهمة رسمية على الصعيد القاري، حيث أدرت مواجهة الافتتاح ولقاءً آخر، إضافة إلى نصف النهائي والنهائي وتحصلت على أعلى تنقيط بالرغم من الحرارة والأجواء الصعبة التي تعرفها أدغال أفريقيا، لأنني قمت بواجبي على أكمل وجه لأن هدفي المباشر هو تشريف بلدي الجزائر، وبعدها توالت المحطات على كل الأصعدة إلى غاية اليوم، حيث كنت أنجح في كل التربصات التي تقام سواء فيما يتعلق باللياقة البدنية أو الكتابي وكذا المواجهات التطبيقية.
– ما هي الدّورات الرّسمية التي تعتبر الأهم بالنسبة لك؟
كل المواعيد واللقاءات التي أدرتها مهمة بالنسبة لي انطلاقا من دورة النيجر لأقل من 17 سنة، حيث كان شعورا رائعا منحني ثقة أكبر لمواصلة لبلوغ أكبر التحديات، وبالفعل بعدما نلت شهادة حكم صاعد اجتهدت أكثر في التربصات التأهيلية الموالية إلى غاية ولوجي عالم الاحترافية سنة 2017 حكم دولي بدرجة «ب»، وكان ذلك بعد الأداء الذي قدمته في دورة الغابون لفئة أقل من 17 سنة التي حكمت خلالها 3 لقاءات، إضافة للنهائي وأثنت اللجنة المركزية على أدائي.
كما أنّني ومنذ سنة 2014 كنت أدير لقاءات رابطة أبطال أفريقيا وكأس الكنفيدرالية الأفريقية، وكذا الأدوار الصفوية لنهائيات أمم أفريقيا، كل هذه المحطات تعتبر مهمة بالنسبة لي كحكم لأنّها أعطتني تجربة أكبر واكتسبت من خلالها خبرة ساعدتني في المحطات الكبرى، أي أنّها كانت بمثابة المفتاح لتحقيق ما كان حلما، ومن جهة أخرى مثّلت بلدي أفضل تمثيل مثلما سبق لي القول لأنه الهدف المباشر، كما كان لي شرف إدارة نهائي القرن الذي جمع بين نادي الزمالك والأهلي في مواجهة مصرية بطابع أفريقي ضمن منافسة رابطة أبطال أفريقيا سنة 2019، حيث كانت مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقي بالنظر للحساسية التي ميزت المواجهة لحسن حظي أنّها جرت بتقنية «الفار» الذي ساعدني كثيرا في المهمة، وقلل من نسبة الضغط.
– كم من مرّة شاركت في نهائيات كأس أمم أفريقيا؟
المستوى الذي قدّمته في مختلف المواجهات التي أدرتها سواء في الأصناف الصغرى خلال البطولات الأفريقية أو رابطة الأبطال وكأس الكنفيدرالية الأفريقية، وكذا التصفيات المؤهلة لنهائيات أمم أفريقيا، فتح أمامي الباب للمشاركة لأول مرة في طبعة مصر سنة 2019، حيث كنت أول حكم يدير أربعة لقاءات في تاريخ المنافسة بداية من المواجهة التي جمعت بين منتخبي جنوب أفريقيا وكوت ديفوار وبعدها الكونغو مع زيمبابوي، إضافة إلى لقاء الدور ثمن النهائي بين السنغال وأوغندا، كما كنت الأول الذي يدير المواجهات بتقنية «الفار» خلال لقاء ربع النهائي الذي كان بين السنغال والبنين، إلا انه وبالعودة للقانون لن أستطيع تحكيم لقاءات الدور صنف النهائي لأن بلدي الجزائر تأهّل لهذا الدور، وبالتالي عدت إلى أرض الوطن لأن مهمتي انتهت، والحمد لله الفرحة كانت كبيرة بتتويج منتخبنا باللقب بالأداء والنتيجة والمستوى، وأعطينا أجمل صورة لكل المتتبعين، أما بالنسبة لأول لقاء أدرته بين المنتخبات، فكان سنة 2015 جمع بين ليبيا وجزر الرأس الأخضر، لكن تبقى سنة 2019 بالنسبة لي الأكثر بروزا لأنّني شاركت في عديد المحطات على غرار بطولة العالم لأقل من 20 سنة التي جرت في بولونيا شهر ماي، والتي أشرفت خلالها على لقاء الافتتاح، إضافة إلى مواجهة أخرى ضمن دور المجموعات، وبعدها الدور ربع النهائي والترتيبي وبعدها شاركت في كأس أمم أفريقيا الأخيرة بالكاميرون 2022، لكني لم أكمل لأنني تلقيت دعوة من الاتحاد الدولي لكرة القدم للمشاركة في كأس العالم للأندية بقطر.
– ما هي أصعب محطّة في مشوارك؟
صراحة لا أفكّر في الصعوبات، وتركيزي دائما على تطوير مستواي والعمل على تقديم الأفضل، وإدارة اللقاءات بكل نزاهة وشفافية بعيدا عن أي تفكير آخر قد يؤثر على إمكانياتي، في حين تبقى أصعب مرحلة عندما كانت الجائحة، حيث بقيت بعيدا عن العائلة وأبنائي لمدة شهرين بسبب غلق المجال الجوي في الجزائر، وكذا إصابتي بفيروس كورونا عندما كنت في مهمة إدارة نصف نهائي رابطة أبطال إفريقيا سنة 2020، حيث ضيعت قبلها فرصة المشاركة في تربص الكاف إلا أن ذلك لم يمنعن من أداء لقاء والدور نصف النهائي الذي جمع بين الرجاء البيضاوي المغربي والزمالك المصري، ولحسن حظي جاء قرار تأجيل لقاءات العودة بسبب وجود إصابات بفيروس كورونا وسط تشكيلة الرجاء، الأمر الذي خدمني لأنني تمكنت من الشفاء رفقة الطاقم المرافق لي وأدرنا نهائي القرن، إضافة إلى أنني قضيت شهر رمضان في بولونيا، عدا ذلك كل الأمور كانت جيدة خاصة عندما شاركت في بطولة أمم أفريقيا بالكاميرون، حيث أدرت لقاء الافتتاح بين البلد المنظم وبوركينافاسو، وبعدها لقاء موريتانيا مع غامبيا، وتلقيت إشادة كبيرة من لجنة التحكيم بعدما كنت حكم الفار ليتم تعييني حكما رئيسيا عقب إصابة السيشيلي ثم تنقلت إلى قطر للمشاركة في كأس العالم للأندية وأدرت لقاء الافتتاح.
– كيف يقضي مصطفى غربال يومياته خارج ميدان التحكيم؟
بعيدا عن التحكيم تحصّلت على شهادة بكالوريا شعبة علوم، حيث ركّزت كثيرا على الجانب الدراسي بدليل أنّني تخليت عن لعب كرة القدم، ولكن بحكم أنّني كنت أرافق أبي في كل الأوقات تأثرت به وتعلمت منه مهنة صناعة الأسنان التي كان يمارسها أجدادي من قبل، ولهذا استمعت لنصيحته عندما طلب مني عدم تضييع الوقت بالدخول للجامعة، وقمت بدورة تكوينية في تلمسان لمدة سنتين، وبعدها فتحت مخبرا خاصا وأنا أشتغل به إلى يومنا هذا، إضافة إلى ممارستي لهواية الصيد لأنّني من المتعلقين بالبحر، وأخرج في غالب الأحيان مع أولادي لتغيير الأجواء، ومن جهة أخرى لأعوض عنهم الأوقات التي أكون بعيدا عن البيت، أما بالنسبة للأكل أنا إنسان أحب كل ما هو تقليدي خاصة الكسكسي والحلويات التقليدية أيضا، كما أنّني شخص هادئ جدا.