نسمع منذ الثمانينيات عن الأسلوب النّقدي الذي ينبغي أن يكون عمودا للعمل والفنّي ومناطا له، ولقد حرص عدد من الرّوائيين – مثلا – على ممارسة النّقد، والتقويم الاجتماعي، من خلال تكريس الهامش، والمسكوت عنه، حتى إن الأوساط الأدبية والفنية معا، صارت تقيّم المستوى الفنّيّ وفق ما اصطلح على تسميته بـ»الجرأة»، فصار الكاتب والفنان يصنّفان في هذه (الجرأة) حين يعبّران عمّا هو (غير مرغوب فيه)، أو مرفوض اجتماعيا..
وتوالت السنون، واتّسعت (الجرأة)، حتى صار الملتزم بالعرف الاجتماعي، أشبه بالنغمة النشاز في معزوفة الفنّ، فاضطر الكُتّاب إلى إقحام البذيء من الكلام، والفاحش من الصّور في أعمالهم، حتى وإن كانت لا تضيف شيئا إلى العمل في ذاته، فالمطلوب منها لا يتعدّى تجنّب القدح الذي تعدّه ألسنة حداد، تخرج أعمالهم من حاضنة الفنّ، بحكم عدم الالتزام بسيّدتنا «الجرأة»..
ولقد تفاقمت هذه «الجرأة»، حتى صار الواحد من الناس يخشى أن يضع بين أيدي أبنائه رواية، لما قد تتضمّن من صور كريهة، يستحي أن يتقاسمها مع أهله، علما أنّ «الحياء» في قاموس (الجرأة) يمثّل مسكوتا عنه هو الآخر، وينبغي التّخلص منه، من أجل تحقيق ما يسمّى «الحرية»، و»سمو الانسان» وهلمّ جرّا مما يصدّعون به رؤوس النّاس على الدّوام..
سنقولها صريحة إذن..إن «الهامش» الذي ينبغي أن يركّز عليه الأديب والفنان، تحوّل مع الوقت إلى «مركز»، ما يعني أنّ «الهامش» الحقيقي اليوم، ليس سوى السّلوك القويم..»الهامش» اليوم هو الفضيلة في كلّ صورها وتجليّاتها، وليست الجرأة الحقيقية سوى تجنّب ما صار يعرف بـ «الجرأة»، فقد شبعت السّاحة الفنيّة ممّا يسمونه «المسكوت عنه»، مع أنّه الوحيد الذي لا يكفّون عن ذكره كلّ يوم، بينما يسكت الجميع عن ذلك المغبون الذي يحرص على تقديم الأفضل..
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق