حلّ الصيف هذا العام مباشرة، دون مقدّمات، وخفّف من وطأته أنّ أسعار الخضر والفواكه شهدت تراجعا أسطوريّا، فصار الواحد من النّاس يمكن أن يتخيّر من المنتجات ما يحلو له، ويحظى، في الوقت نفسه، بشيء من الملاطفة والكلام المعسول الذي جرى على ألسن التّجار، وكانوا قبل الصّيف لا يكادون ينطقون إلاّ بالعبارة الشّهيرة (ادّي والا خلّي)..
ويبدو أن حرارة الصيف لم تكن وحدها، فقد كان لأعوان الرّقابة حضور ملفت، وهم يقومون بالواجب مع الغشاشين وآكلي السّحت، وتنزّلوا عليهم بما يقتضي القانون، فكان للمراقبين نصيب لا بأس به في حماية المستهلكين، غير أن كثيرا من تجّار التجزئة لا يكفّون عن استعمال مشجب «تجار الجملة»، وهؤلاء بدورهم يتّهمون الفلاحين، بينما تجد الفلاح لا يكفّ عن تصوير الخسائر التي يتكبّدها، والصعوبات التي يتجرّعها كي يصل منتجه إلى الأسواق، وهكذا تتكوّن دائرة مغلقة من «المواقف» تتلبّس كلّها بأثواب «التّضحية»، وتلقي باللّوم على الآخرين..
ولسنا نرغب في تحميل أيّ كان المسؤولية عن ارتفاع الأسعار، ولا الفضيلة في انخفاضها، فالمسؤولية في اعتقادنا يتحمّلها الجميع، بدون استثناء نوعية من المستهلكين يحلو لهم التّبجح بشراء كلّ ما يرتفع سعره، حتى يظهروا في أثواب المقتدرين في أعين النّاس، فهؤلاء المتبجّحون لهم دورهم الرّائد في ارتفاع الأسعار، إذ يعتقدون أن الحياة منحتهم دور البطولة، مع أنّهم لا دور لهم يعتدّ به في الحياة..
نعتقد أنّ المسؤولية يتحمّلها الجميع، فالفلاح هو نفسه من يعبئ الصناديق، وما يزال مصرّا على أن تكون السلعة الجيّدة فوق، والفاسدة تحت.. وتاجر الجملة هو نفسه من يفاوض لأجل سعر زهيد، ثم لا يرضى بالثلث والثلثين فائدة، إنّما يقفز إلى الأضعاف المضاعفة، ولا تختلف الحال مع تاجر التجزئة، حتى إذا جاء المتبجّح أضفى على الدّائرة ما يجعل الدّواء الوحيد كيّ حرارة الصيف، وكيّ محاضر أعوان الرّقابة..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.