أحيا بعض القارئين، في الأيام الأخيرة، مسألة الكتابة بالعامية المحليّة، واعتبروا أنّ اللغة العربية الفصحى ماضية إلى الاندثار، وهم يطابقون بين مسار اللاتينية التاريخي، وانتهائه إلى لغات الرومانس، ومسار «العربية» مع الكتّاب الذين صاروا يتنصّلون من الكتابة بها، ويراهنون على نجاح أعمالهم الأدبية (جدّا جدّا) في العاميات (العظيمة جدّا جدّا)!!، وخلص هؤلاء إلى أنّ (المجد) سيكون للعاميّات المحليّة في صراعها مع (الفصحى)، لأنّ العاميات مفهومة، ومنتشرة، وتكاد تخترع مصلا مضادّا لـ «جدري قلّة الفهامة»..
ولقد سجّلنا بأنّ ما فعل القارئون (جدّا جدّا)، ليس سوى تعامل مع قضية مضى عليها الآن أكثر من قرن كامل، وأفاض فيها الناس، ثم اكتشفوا أنّها ليست قضيّة، وأنّ دونكيشوت كان أفضل حالا منهم حين حارب الطواحين، ثم يأتي بعد (القرن وزمّارته) من «يبشّر» بنهاية الفصحى، وتحوّل العاميّات إلى لغات..
من الآخر، حتى لا نعود إلى معالجة قضايا وهمية.. أصحابنا القارئون (جدّا جدّا) يعتقدون أن هناك صراعا بين (الفصحى والعاميات)، لكن ليس هناك فصحى ولا عامّيات أصلا، بل هناك «لسان» يتفرّع إلى «لغات»، والعربية اللّسان تحتوى لغاتها منذ عهد عاد وثمود وأبرهة صاحب الفيل، ولم تتأثّر مطلقا بلغات من يتحدّثون بها، بل إن لغتنا هاته الجزائرية، توجد في كتب قديمة تعود إلى القرن الخامس الهجري، وعندنا الزّجال ابن قزمان الذي صاغ الرّوائع بلغة لا تختلف عن لغتنا اليوم في كثير من تفاصيلها، ولم يخطر له على بال أن هناك من سيأتي بعده، ويدّعي أن «اللغات» تتصارع، وتكون الغلبة لهذه أو تلك..
أمّا ما تحجّج به جمهور القارئين (جدّا جدّا)، فهو نوع من الروايات بليد، قيل إنّه يراهن على «العامية»، ويشهد انتشارا مهولا بالمكتبات، مع أنّهم – في مواضع أخرى – لا يكفّون عن الشكوى من انعدام المقروئية، وكساد سوق الكتاب، ولله في خلقه شؤون..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.