تطرح “معركة الغذاء” إشكاليات وأبعاد مختلفة، وتحديات جديدة في صورة ما يجري حاليا في العالم، ما يستدعي تخطيط سياسات وفق رؤية اقتصادية تتكيف مع متطلبات وتحولات جارية لضمان السيادة الغذائية..
خاض خبراء ومختصون، في تشريح إشكاليات الأمن الغذائي والتحديات الجديدة، في ظل تحولات دولية تفرض إعادة النظر في سياسات تحقيق الأمن الغذائي، وكبح تداعيات الندرة وارتفاع أسعار المواد في الأسواق العالمية..
محاور ومواضيع كثيرة تطرق إليها مختصون، في أول يوم من الملتقى الدراسي الموسوم بـ الأمن الغذائي من المصطلح إلى التنفيذ: الوضعية الحالية، التوجهات والتحديات الأمنية، بالمعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية، بالجزائر العاصمة.
معركة الوعي
في موضوع الملتقى، يقول مدير المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية، عبد العزيز مجاهد، في تصريح لـ “الشعب أونلاين”، على هامش فعاليات الملتقى، إن أكبر التحديات التي تواجه الجزائر في مجال الأمن الغذائي تكمن في وعي المواطن وإدراكه بمكانته وواجبه تجاه هذه التحديات، وتابع:” المسألة تخص الجميع، اليوم نتحدث عن السنة الـ 60 للسيادة الوطنية، ومثلما استرجعنا السيادة السياسية علينا استرجاع اليوم السيادة الغذائية”
قبل انطلاق محاضرات باحثين ومختصين في هذا الملتقى، كانت لوزير المالية الأسبق عبد الكريم حرشاوي، مداخلة تحدث فيها عن تغيير في الأبعاد والمفاهيم المرتبطة بالأمن الغذائي، بسبب ما يشهده العالم من تحولات، فالمجاعة – حسبه – لم تعد تهدد دول أفريقيا فقط:” في ظل النزاعات القائمة حاليا قد لا توجد إمكانيات لنقل القمح في أوروبا”.
وأشار حرشاوي إلى أن 50 بالمائة من سكان إفريقيا مهددين بمخاطر “الا أمن الغذائي”، بالمقابل، يرى أن الجزائر مطالبة بالاستثمار في مسائل إستراتجية تخص الغذاء وفق رؤية اقتصادية تجنبها سيناريوهات أزمات الغذاء. ومن بين المسائل التي أشار إليها حرشاوي، مسألة الهجرة غير الشرعية وعلاقتها بالأمن الغذائي الإقليمي :” في إفريقيا لما تكون هناك مجاعة، فهذا يؤدي حتما إلى هجرة جماعية نحو دول أوروبا”.
في محاضر قدمها الخبير برنارد بادي، ركز فيها على تحديات السيادة الغذائية التي تتطلب مراقبة دائمة لدعائم الأمن الغذائي والاهتمام أكثر بالإنتاج المستمر، إذ يطرحه الأمن الغذائي اليوم من إشكاليات معقدة –يضيف – يفرض على الدول الدفاع عن نظام أمنها الغذائي باستمرار.
نمط الاستهلاك
من جانبه، قدم البروفيسور زبير ساحلي، محاضرة حول نمط الاستهلاك وديمومة طرق الإنتاج، ووفق ساحلي الأمن الغذائي رهان استراتيجي للجزائر، لذلك فان من بين أهم العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار في رسم سياسات تحقيق الأمن الغذائي، ما تعلق بنمط الاستهلاك لدى الجزائريين، وأشار إلى وجود استهلاك كبير لبعض المنتجات مثل القمح، السكر..
في الفكرة ذاتها، تثير أستاذة العلوم الفلاحية والبيئة بجامعة تقرت، فطوم الأخضري، إشكالية نمط الاستهلاك والتبذير، وذكرت في هذا الصدد:” علينا أن نصارح بعضنا، لدينا فساد في استهلاك بعض المواد مثل الخبز، الماء..”
وتقول الأخضري:” لا يوجد مشكل أمن غذائي بالنسبة للجزائريين من الناحية الكمية، من حيث النوعية نقاش آخر يخص الأنظمة الزراعية المكثفة التي تستعمل فيها المبيدات والأسمدة الصناعية.”
وتركز المتحدثة على أهمية ترشيد الاستهلاك:” نحن في عالم بمثابة قرية، أزمة كوفيد 19 التي شهدها العالم غير جوانب كثيرة.. الجزائر تنتج أشياء لكن توجد أشياء أخرى كثير نستوردها، ونستهلك بطريقة مفرطة وغير صحية”
وأوضحت الأخضري، أنه لا يمكن إغفال أنه في فترة كورونا حتى مع وفرة الأموال لا يمكن اقتناء الاحتياجات بسبب الغلق الذي فرض بسبب كورونا.
الاكتفاء الذاتي..
وفي حديثه عن إشكاليات الأمن الغذائي، قال المحلل السياسي أحمد سواهلية، إن تحديات جديدة وجلية تواجه العالم، في ظل ما يحدث من أزمات وصراعات حتى أصبح توريد بعض المواد كالقمح يخضع لمعايير الصداقة والمصلحة بين الدول.
يشير سواهلية إلى اختلاف في التوريد العالمي، بحيث لا يوجد فرق بين دول غنية وفقيرة، العمليات العسكرية الروسية الأوكرانية جعلت الدول الغنية تضطرب في الإنتاج الغذائي، وهذه الدول أثبتت أنانيتها وتريد تحقيق أمنها الغذائي لسنوات طويلة..”
ويرى المتحدث أن الدول النامية وجدت نفسها أمام تحديات كبرى: لكن دول مثل الجزائر لديها مقدرات تسمح لها بتحقيق اكتفائها الذاتي ومواجهة التحديات بعد إزاحة المعوقات، وتذليل العراقيل وتبسيط الإجراءات”
ووفق سواهلية، سياسات تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي يتطلب استقرار سياسي وأمني، واستقرار عالمي يؤثر على الطلب المحلي، لذلك في ظل ما يحدث من تحولات يجب الذهاب بسرعة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء بدعم سياسات جادة…
وعلى مدار ثلاثة أيام، يعرض مشاركون قراءات تحليلية لمعركة الأمن الغذائي من منظور التحولات المرتبطة بالعولمة والحرب الإقتصادية، وتشتغل لجان على مواضيع مختلفة، منها تمويل الأمن الغذائي في الجزائر، الاستثمار، الدعم والاستيراد. إضافة إلى نظم تنظيم الأسواق الفلاحية والغذائية.
وبالنظر إلى أهمية أنظمة وقواعد البيانات في معالجة إشكاليات الأمن الغذائي، خصصت ورشات تتطرق إلى نظم المعومات، المنصات الرقمية وقواعد بيانات الموارد والفلاحية والغذائية.
ومن المحاور الهامة التي تدرسها لجان الملتقى ، ما تعلق بنظام الاتصال كرافعة أساسية لتطوير وتنفيذ سياسات عمومية في مجال الأمن الغذائي، إلى جانب دور البحث العلمي في تطوير الشعب الفلاحية وبلوغ مستويات سيادة غذائية.