تعطي السّلطات العمومية أهمية بارزة لقطاع السياحة، فقد أدرجته ضمن خطة الإنعاش الاقتصادي، وصنّفته ضمن القطاعات المنتجة للثروة خارج قطاع المحروقات، فالجزائر تمتلك مقوّمات طبيعية، تؤهّلها أن تكون مقصدا سياحيا بامتياز، يمكن الاستثمار فيها وصناعة منتوج سياحي، يعيد البريق لوجهة الجزائر السياحية، الذي فقدته منذ عقود من الزمن لعدة أسباب.
وتنمية السياحة في الجزائر لن يكون إلا بتطوير «حقيقي» ينطلق من هيكلة المشاريع حسب خصوصية كل منطقة، وتطهير العقار السياحي، وإتمام مخططات التهيئة السياحية المناطق التوسع السياحي، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وفتح المجال أمام المؤسسات الصغيرة والناشئة.
ورتّبت وزارة السياحة لهذا الأمر باكرا، فقد شرعت بأمر من رئيس الجمهورية، في اتخاذ حزمة من القرارات، وتسطير برامج تشاركية تجمع مختلف الفاعلين والمهنيين، إلى جانب قطاعات أخرى، لإعادة تحريك هذا القطاع، ومساهمته الفعالة في نمو الاقتصاد الوطني.
وإلى جانب التحفيزات الممنوحة للمهنيين، من أصحاب الوكالات السياحية، بعدم فرض غرامات التأخير عن تسديد اشتراكات الضمان الاجتماعي، المترتبة عليهم، خلال انتشار وباء كورونا، تحركت الوزارة الوصية في اتجاه، رفع القيود عن المشاريع الاستثمارية المتوقفة مثلما هو الحال بالنسبة لفندق الباخرة المحطمة بولاية سكيكدة أو القرية السياحية التي رأت النور أخيرا بعد 40 سنة بفضل مشروع شراكة جزائري-سعودي، وتلك التي انتهى إنجازها دون أن تمنح لها رخص الاستغلال، ما سمح برفع عدد هياكل الإيواء التي تسجل الجزائر عجزا فيها، ورفع طاقة استيعاب المؤسسات الفندقية، بأسرة جديدة، تلبي الطلب المتزايد في المواسم السياحية.
ولأنّ المقوّمات الطبيعية الساحرة التي تتمتع بها الجزائر، على طول ساحل يتجاوز 1200 كلم، بالإضافة إلى الموروث الثقافي والحضاري، لا تكفي وحدها لتنمية السياحية، بل يحتاج الأمر إلى تقديم منتوج تنافسي، يلبي ذوق وطلبات العائلات الجزائرية والسياح، ويراعي القدرة الشرائية المتدهورة، وعلى هذا الأساس تحرّكت السلطات وأمرت بمراجعة أسعار الخدمات السياحية، فلا يعقل أن يكلف قضاء عطلة لعائلة لا يتجاوز عددها 4 أفراد، في فندق 4 نجوم، أكثر من 120 ألف دينار، أو أن يكون سعر الغرفة في فندق 3 نجوم يتجاوز 7 آلاف دينار لليلة الواحدة، دون احتساب المصاريف الأخرى المتعلقة بالأكل والشرب، النقل والترفيه.
وقد تكون الإقامة عند الساكن التي قنّنتها الوزارة الوصية انطلاقا من ولايتي الوادي وبسكرة، وشرعت في تعميمها على باقي ولايات الوطن، خاصة الساحلية التي تعرف رواجا لعملية كراء المنازل للسياح والمصطافين، صيغة تناسب أصحاب الدخل المتوسط، لكن تحتاج إلى تنظيم أكبر وإقناع أصحاب تلك البيوت بالتصريح بنشاطهم، وتقييده ضمن بوّابة إلكترونية خاصة بهذا النشاط، لتسهيل عملية الإحصاء وتوفير بنك معلومات خاص، يكون تحت تصرف السياح والعائلات الراغبة في الاستفادة من هذا المنتوج، وفق أسعار مدروسة، وليست خاضعة لرغبات خاصة.
التنمية السياحية جهد متكامل، بين جميع الفاعلين والمهنيّين، بداية من الجماعات المحلية المطالبة بتقديم المبادرات، لتحسين الوجهة السياحية لكل ولاية، وتثمين مواردها ومقوماتها، وأن تعمل على ذلك طول العام، وليس في المناسبات فقط، أو كلما حل فصل الصيف، حيث تسارع لدهن بعض الأرصفة، ورفع لافتات تشير إلى مجانية الشواطئ، مع ترك المدن تغرق في النفايات ومظاهر لا تسر الناظرين.