خلا جدول أعمال نشاطات المجلس الشعبي الوطني، لشهر جوان الجاري، من نصين تشريعيين رئيسيين هما: مشروعا قانون المالية التكميلي وقانون الاستثمار الجديد، فهل يتعلق الأمر ببرمجة زمنية (تأخير) أم بتعثر في عملية الإعداد؟
منذ الأسابيع الأولى للسنة الحالية، ساد الاعتقاد بلجوء الحكومة إلى قانون مالية تكميلي لتعديل النفقات وبعض الأطر العامة للميزانية التي جاء بها قانون المالية 2022.
وترسخ هذا الاعتقاد، مع تتابع القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في إطار تعزيز جدار الحماية للاقتصاد الوطني بشكل عام، جراء الصدمة الثانية (بعد جائحة كورونا) التي عرفها الاقتصاد العالمي بفعل تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية.
لكن الحديث عن قانون مالية تكميلي تراجع كليا، منذ مطلع شهر رمضان المنقضي، ولا يوجد أي أثر للنص في جدول أعمال أنشطة المجلس الشعبي الوطني خلال الفترة الممتدة من 1 إلى 27 جوان الجاري.
وهذا الغياب طبيعي لأنه لم يدرس أصلا، لحد الآن في اجتماعات مجلس الحكومة ولا مجلس الوزراء، فهل يعني ذلك عدم اللجوء إلى قانون مالية تكميلي؟.
ومعروف أن الذهاب نحو هذا القانون، يعني أن الميزانية السنوية للدولة لم تضبط بالشكل اللازم في قانون المالية الأصلي، بسبب تغير المعطيات، أو حدوث مستجدات غير متوقعة من الأساس.
وفي حالة الجزائر، وقعت كثير من الأشياء خلال الفترة ما بين 1 جانفي و31 ماي 2022، التي تجعل من إعداد نص تكميلي لقانون المالية ضروري، لعل أهمها استقرار معدل أسعار النفط في حدود 97 دولارا للبرميل الواحد.
في السياق، علمت «الشعب» أن إصدار النص التشريعي «أمر حتمي» ولو بشكل متأخر عن البرمجة الاعتيادية (1 جوان)، لأنه يرتبط «بالتأصيل القانوني للقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية، في ذات الفترة».
وستضمن الميزانية السنوية، نفقات إضافية تتعلق أساسا بمنحة البطالة التي أقرها رئيس الجمهورية، مع صرفها ابتداء من شهر مارس الماضي. ففي وقت كانت توقعات قانون المالية التكميلي أن تشمل أزيد من 500 ألف بطال، ارتفع عدد المستفيدين منها إلى حوالي 1 مليون و100 ألف مستفيد، بتبعات مالية ناهزت 240 مليار دينار، بعدما كانت في حدود 145 مليار دينار.
ومن أبرز القرارات التي اتخذها الرئيس تبون، أيضا، إقرار زيادات في النقطة الاستدلالية لأزيد من 2.7 مليون موظف، بأثر مالي إجمالي ناهز 220 مليار دينار، ينبغي أن يجد هو الآخر التأصيل القانوني له في قانون مالية تكميلي.
ومما يدفع أيضا باتجاه إصدار القانون، قرار الرئيس، في فيفري الماضي، القاضي بتجميد كافة الضرائب والرسوم التي تضمنها قانون المالية 2022، وتعني التجارة الالكترونية والهواتف النقالة وأجهزة الإعلام الآلي.
وجاء ذلك إثر نداءات أطلقها عشرات الشباب، خاصة أصحاب المؤسسات الصغيرة، بفعل ضرائب تراوحت ما بين 60 و133٪.
ووفق مصادر نيابية، فإن معالجة هذا الإشكال المرتبط بقائمة «الحق الإضافي المؤقت» في جدول التعريفات الجمركية، ينبغي أن تتم عبر إصدار مادة جديدة في قانون مالية تكميلي تلغي مادة منصوص عليها في قانون المالية 2018، تتعلق بالضريبة الآلية على سلع الاستهلاك الداخلي والتي تقدر بـ60٪.
رئيس الجمهورية أسند جدار حماية الاقتصاد الوطني، بجعل الخزينة العمومية تتكفل بالزيادات المرتبطة بأسعار المواد الأساسية، كالحبوب والمواد الأولية للزيت والسكر في الأسواق الدولية، جراء الحرب الروسية – الأوكرانية منذ 24 فيفري الماضي.
وبفضل هذا القرار، عوضت الحكومة خسائرها المحتملة من الخزينة العمومية، دون أن يشعر بها المواطن ولا حتى أصحاب الصناعات الغذائية، الذين تم الترخيص لهم باقتناء الحبوب مباشرة من الديوان الوطني المهني للحبوب بالسعر المدعم، بدل استيرادها.
ولاحظ المواطنون، في الأشهر الماضية، انخفاضا إلى النصف في أسعار العجائن، بفعل هذا القرار. وينبغي أن تضمن النفقات التي تحملتها الخزينة العمومية في هذا الجانب في نص تشريعي جديد.
قانون الاستثمار
على صعيد آخر، لم يدرج مشروع قانون الاستثمار الجديد، هو الآخر، في جدول أعمال المجلس الشعبي الوطني للشهر الجاري، بالرغم من أن دراسته تمت في اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء عقد في 19 ماي الماضي.
البيان الختامي للاجتماع، لم يتضمن أية تعليمات بمواصلة الإثراء أو إدخال تعديلات طفيفة على النص، ما يعني أن تأخر إحالته إلى مكتب المجلس الشعبي الوطني، يتعلق بانتظار الفراغ من إعداد القانون المتعلق بمنح الامتياز للأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة، والقانون الأساسي لوكالات العقار الاقتصادي.
وأمر الرئيس تبون، الأحد الماضي، بمواصلة إثراء مشروع منح الامتياز للعقار، بضبط العلاقة بين مصالح الدولة ووكالات العقار الصناعي، الفلاحي والسياحي التي سيتم استحداثها مع وضع قوانين أساسية لها تكون في شكل مراسيم تنفيذية.
ويفهم من هذه المقاربة، أن إعادة بعث الاستثمار ستتم بتجهيز «طقم قوانين متكاملة»، على أن تصدر بشكل متقارب زمنيا حتى لا تستمر الأعذار المعطلة للاستثمار.
وبالنظر لالتزام الرئيس، بجعل 2022 سنة اقتصادية بامتياز، فإن إصدار قانون الاستثمار الجديد بأمر رئاسي قد يرجح، أو احتمال طلب تمديد عمر الدورة البرلمانية العادية التي تنتهي مطلع شهر جويلية، على أن تستأنف مطلع سبتمبر المقبل.
وتفرض الحاجة إلى التعجيل بإنعاش الاستثمار، عدم الانتظار إلى الخريف المقبل. وتجدر الإشارة إلى حرص الرئيس تبون على أن تمتد صلاحية القانون الجديد للاستثمار إلى 10 سنوات كاملة، مع إخراج كل ما يتعلق بالاستثمار من قوانين المالية.