يواصل رأسا الحكومة والسياسة الخارجية في إسبانيا، إحداث المزيد من الفوضى داخل البلاد وخارجها، مع محاولة توريط مؤسسات الاتحاد الأوروبية في أخطاء قانونية وتقديرية قاتلة.
تصرفاتهما لا تدفع إلا نحو مزيد من التصعيد مع الجزائر.
الأضرار الجسيمة لقرارات رئيس الحكومة بيدرو سانشيز ووزير خارجيته خوسي مانويل ألباريس، لم تعد تتحملها الطبقة السياسية في إسبانيا، التي تجمع بأن ما قاما به من أفعال “غادرة” للجزائر، أساءت لسمعة البلاد دوليا.
وتبين الصحف الإسبانية يوميا، أن خضوع سانشيز للابتزاز المغربي وتنصّله من التزامات القانون الدولي في نزاع الصحراء الغربية، ليس وليد إجماع داخلي ولا محسوب العواقب ولم يتم اتخاذه في أجواء عادية.
وهناك إجماع إسباني، أن “شيئا مريبا دفع بسانشيز للتصرف من غرفة مغلقة”، خاصة بعد التأكيدات الرسمية بتعرض هاتفه للاختراق باستخدام برنامج بيغاسوس، والتجسس على معظم مراسلاته لسنة 2021.
ولا تتوقف النخب السياسية والإعلامية في مدريد، عن إبداء شعورها بالدهشة وهي تقرأ خبر انحراف الموقف الإسباني من الصحراء الغربية من بيان صادر عن القصر الملكي المغربي، بينما لم يكن المكلف بالاتصال في حكومة سانشيز ولا بقية الوزراء على علم بأي شيء.
غضب الإسبان من رئيس حكومتهم، ازداد بفعل الذريعة الواهية التي أراد من خلالها تبرير خيانته للشعب الصحراوي، حين روّج إلى أن المغرب لن يستخدم مجددا مصطلح “سبتة ومليلية المحتلتين”، والحقيقة أنه لم يحصل على أية وثيقة رسمية ممضاة من قبل قادة المخزن بالتخلي عن المطالبة بالمدينتين، مقابل تخلي إسبانيا عن مسؤوليتها كقوة مديرة للإقليم.
المؤكد أن الرأي العام الداخلي غير واثق من قدرة سانشيز ودبلوماسيته على حماية سيادة البلاد، ومستاء للغاية من تسليم رقبة الصحراويين إلى الاحتلال المغربي دون وجه حق، وفي قمة الغضب من إلحاق أضرار بليغة بالعلاقات التاريخية مع شريك بحجم الجزائر.
عبث يزداد يوميا
والمشهد عموما، مفاده أن “عصبة من الأشخاص تسببت في الإضرار بمصالح دول، لأسباب ضيقة جدا”، هذا العبث يزداد يوميا ويستمر كلما أثبت وزير خارجية إسبانيا ألباريس، سوء تدبيره وجهله بـ”الجزائر”.
لقد كان لهذا السفير السابق لدى باريس، الوقت الكافي لمراجعة طريقة عمله رفقة رئيس حكومته، لكنه لا يتوقف عن إحصاء ردود الفعل الجزائرية المتأنيّة والمدروسة، وتقييم انعكاساتها المؤلمة.
والمفارقة أن ألباريس يجمع بين التهور وعدم التحلي بالمسؤولية. إذ يحاول توريط مؤسسات الاتحاد الأوروبي في تبعات سياسته، بتفسير القرارات الجزائرية على أنها خرق مزعوم لاتفاق الشراكة الموقع مع المجموعة الأوروبية سنة 2005. والتلويح بالتحكيم الدولي فيما يتعلق باتفاقيات الغاز أو المبادلات التجارية؛ خطوة يعلم الداخل الإسباني أنها مجرد ذرّ للرماد في الأعين، لأن المسؤولين وضعوا إسبانيا في «خانة البلد الذي يُؤمَن جانبه».
ثم كيف لهذه الحكومة أن تشهر ورقة الاتفاقيات المبرمة، وهي التي تريد التنصل بشكل علني من مسؤولياتها التي ينص عليها القانون الدولي؟، كيف تصادر حق الشعب الصحراوي في تنظيم استفتاء تقرير المصير وتقرر مكانه بتسليم رقبته للاحتلال المغربي؟، ما الذي يجعلها تعتقد أن طعنها للجزائر سيمر مرور الكرام؟
المؤكد أن الدول النافذة في الاتحاد الأوروبي، لن تقوم بأيّ شيء نيابة عن سانشيز، الذي صار ينظر له كشخص مثير للمتاعب، بعد الضغوط التي مارسها في الأسابيع الماضية من أجل تسقيف أسعار الغاز وتذمّره الدائم من ضعف ربط بلاده بالشبكة الأوروبية للغاز، بينما يعلم الجميع أنه كان يفكر بأنانية واضحة عندما أراد الحصول على مزيد من الغاز الجزائري حتى يجعل بلاده قطبا موزعا للغاز لكامل أوروبا وبأسعار باهظة.
وتعلم بروكسل، أن كثيرا من الأشياء تغيرت، وعلى رأسها اتفاق الشراكة مع الجزائر، فإذا لم توافق على تعديله فإن موته سريريا سيكون قدرا محتوما، خاصة مع لجوء كثير من الدول إلى تفضيل خيار الشراكة الثنائية منذ سقوط قناع التكامل الأوروبي خلال جائحة كورونا.