كلّما تمت إثارة تطوّرات الحرب الروسية الأوكرانية، وتجدد رصد حجم الخسائر وهول الدمار وركود الأسواق، قبل أن تحط الحرب أوزارها، يكثر الحديث عن تغيرات طارئة لمرحلة ما بعد الحرب، مع بروز ملامح عالم جديد من حيث التكتلات والتحالفات، وتباين المحاور، حيث لم تعد الجغرافيا وحدها قاسما مشتركا وعاملا يفرض على الدول الانصهار ضمن حلف مشترك، لأنّ عالم الغد القريب سوف ترسمه المصالح والتجاذبات السياسية والامتيازات الاقتصادية، فيمكن رؤية محور يتشكّل من دول أسيوية وإفريقية ومن أمريكا اللاتينية، بمعنى أن التقسيم التقليدي سيتراجع بفعل إعادة التشكل من جديد.
يرشّح في مستقبل غير بعيد بروز قوى متوسطة بوزن مؤثر، سر مناعتها ومتانة صمودها سيبرز من خلال تماسكها وتوافق رؤيتها، وتطابق تعاطيها مع القضايا الإقليمية والدولية، تتشكل من 5 أو 7 دول أو أكثر، تقيم شراكات أمنية واقتصادية، وهذا التعاون سيشمل حتى المجال التكنولوجي، ما سيقطع الطريق أمام تغلغل نفوذ قوى تقليدية، كانت المهيمنة وصاحبة القرار، تبسط يدها متى شاءت، مثل دول أوروبية في منطقة الساحل حيث تستنزف المعادن النفيسة، تاركة الشعوب الفقيرة تزداد فقرا وتكتوي بالإرهاب وسط المعاناة والجوع والأوبئة.
يرتقب أن تقلع في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات كأقصى تقدير، عدّة مراكب تضم تكتلات إقليمية ودولية، وتحاول أن تبحر نحو شواطئ أكثر أمنا وتقدما، وقتها سوف يصبح التنافس على أشده، بينما لا يعرف ونصيب ومصير الدول الفقيرة؟ علما أنّه الوقت حان لتفكر هذه الدول بمستقبلها عبر فرض سيطرتها على ثرواتها الطبيعية والباطنية ومحاولة الانطلاق، من خلال خطة تتجاوز فيها أسباب التخلف والبؤس وبؤر التوتر، لأنّ التنمية مثل الماء يمكنها أن توقف لهيب الحرائق وتسكت صوت السلاح.
إذا النّظام العالمي الذي سينشد وفق هذا المنطق، لن يكون على ما يبدو بصوت أحادي أو ثنائي، بل متعدد الأقطاب، ولعل الحرب الروسية الأوكرانية من ستسرع بميلاده وتشكله، ونهايتها ستكون بداية تغير العالم بشكل سريع لا يصدق.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.