ليس هنالك بالتأكيد أتعس من إفريقيا، فهي القارة التي لو اندلعت حرب في مكان ما، فهي أوّل من يتحمّل تبعاتها ويواجه متاعبها، وهي أكثر من يعاني من مظاهر الاحتباس الحراري الذي تتسبّب فيه البلدان الصناعية المرفهة، وهي أيضا من تتعرّض للاستغلال الذي يتّخذ شكل الاستعباد من طرف القوى الكبرى التي تنهب ثرواتها وتجوّع شعوبها، كما أنّها القارة التي لم تهنأ منذ استقلال دولها بالأمن والاستقرار، وباتت بؤرة للمجموعات الدموية التي اتّخذتها مستقرّا لها ومجالا حيويا تمارس فيه طقوس عنفها ووحشيتها دون أن يكترث للأمر كبار الكون، الذين كلّ ما يعنيهم هو أن لا يطرق الإرهاب أبوابهم ولا يصيبهم بسوء، أما باقي الشعوب فلتذهب إلى الجحيم.
إفريقيا هي القارة التي تحمل على ظهرها كل متاعب الدنيا، والأكيد أن أخطر هذه المتاعب تتجلى في العمليات الإرهابية التي تحصد كلّ يوم المزيد من الضحايا وتتسبّب في العديد من الخسائر، ويكفي دليلا، أنه في شهر ماي الماضي، حصدت آلة الإرهاب أرواح نحو 720 قتيلا إفريقيا، وطبعا إقليم غرب أفريقيا كان له النصيب الأكبر من عدد ضحايا الهجمات الدموية، فقد قتل نحو 429 شخص بهذا الإقليم التعيس، وبلغت نسبة عدد الضحايا فيه 59.5 % من إجمالي عدد ضحايا القارة السمراء بأكملها.
التقارير ترصد يوميا أعدادا كبيرة لقتلى التنظيمات الإرهابية في إفريقيا دون غيرها من القارات، كما ترصد بأن هذه التنظيمات تزداد انتشاراً وتوحشاً، إذ لم تعد تعتمد على الوسائل التقليدية في مهاجمة الأهداف، بل صارت تمتلك من الأسلحة المتطورة ما لا تمتلكه جيوش الدول المستهدفة، ولم تعد تكتفي بالعمليات الصغيرة، بل أصبحت تركز على أن تكون أهدافها النوعية من العمليات الإرهابية كبيرة لإحداث صدى محلي ودولي كبير تستفيد منه للتأكيد على قوتها، وبث الخوف في قلوب المدنيين.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فإن إفريقيا التي تكافح من أجل أمنها، تجد نفسها اليوم مجبرة على خوض معركة جديدة ضد الجوع لأنها ستكون القارة الأكثر تأثرا بتداعيات الحرب في أوكرانيا، وحسب ما حذّر منه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن السمراء تواجه أزمة غير مسبوقة، غذائية واقتصادية، بسبب هذه الحرب التي تؤرّخ لبداية مرحلة جديدة في العالم.
وقد شهدت أسعار الغذاء في القارة الأفريقية ارتفاعا حادا في الفترة الأخيرة، مما دفع أعدادا هائلة من الأفريقيين إلى حافة مجاعة، كما أعلنت بعض الدول مثل تشاد حالة طوارئ بسبب نقص الأغذية، وقالت الأمم المتحدة إن حوالي ثلث سكان هذه الدولة يحتاجون لمساعدات غذائية بينما ناشدت الحكومة التشادية المجتمع الدولي نجدتها.
إفريقيا تحاول بالفعل أن تتجاوز متاعبها، لكن يبدو بأن تغيير القدر أمر صعب حتى لا نقول مستحيل.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.