خطت الصناعة العسكرية في الجزائر خطوات «عملاقة»، لتأمين احتياجات وحدات الجيش والأسلاك المشتركة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض الصناعات الحربية كانت تستورد إلى وقت قريب، ورفعت تحدي إنتاج السلاح وقطع الغيار والمركبات، بأياد جزائرية، نقلت التكنولوجية العالمية وتحكمت في التقنيات الحديثة…
انفتحت الصناعة العسكرية على الصناعة المدنية، لدعم الاقتصاد الوطني، عن طريق المناولة وبيع منتجات للأفراد والمؤسسات العمومية والخاصة كان استيرادها يكلف الخزينة العمومية أموالا باهظة بالعملة الصعبة، وساهمت في إعادة مؤسسات للنشاط، بعد تحويل وصايتها لوزارة الدفاع الوطني على غرار شركة «سوناكوم» ومؤسسات المسبكات، بكل من رويبة وتيارت، وغيرها، دخلت على خط الإنتاج بجودة ونوعية يمكن أن تنافس بها أي منتوج أجنبي دون «عقدة».
الزائر معرض الجزائر الدولي في طبعته 53، بقصر المعارض الصنوبر البحري، يكون قد رأى الاختلاف بين صناعة الأمس واليوم، فالتطور ظهر واضحا وجذب إليه أنظار كل شخص مر أمام أجنحة 17 مؤسسة صناعية عسكرية، وضعت عصارة جهد كفاءات وطنية، تكيفت مع تطورات العصر، ونجحت في نقل التكنولوجيا، وإنتاج معدات وأسلحة ومنتجات، بنوعية وجودة وإتقان، سواء تلك الموجهة لتأمين احتياجات الجيش الوطني الشعبي، أو للاستعمال المدني.
وما بين صناعة النسيج والألبسة، والذخائر والأسلحة، مرورا بصناعة العتاد، والمدرعات، والسفن، وأجهزة الإشارة والمراقبة وصولا إلى المركبات والشاحنات من علامة عالمية، تعددت المنتجات، ولكن الهدف واحد، توفير احتياجات القطاع العسكري والمدني على حد سواء، وتمتين الاقتصاد الوطني، بصناعة محلية وفق معايير عالمية، تقتصد ملايير الدولارات من فاتورة استيراد مكلفة لبعض المنتجات.
اكتفاء ذاتي
في المعرض حضرت نماذج مؤسسات صناعية عسكرية، نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المنتجات، بأياد جزائرية، تخرجت من جامعات ومعاهد ومدارس وطنية وتلقت تكوينا خاصا. وتعد المؤسسة المركزية لتجديد عتاد الإشارة التابعة لدائرة الإشارة وأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية، واحدة من بين تلك المؤسسات التي حققت أهدافها بصناعة احتياجات المؤسسة العسكرية وجميع وحداتها.
يقول إطار بالمؤسسة في تصريح خاص بـ «الشعب»، إن المؤسسة المركزية لتجديد عتاد الإشارة التابعة لدائرة الإشارة وأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية، التي شاركت في الطبعة 53 لمعرض الجزائر الدولي، بمؤسستين مؤسسة الإشارة ومؤسسة الكوابل، تملك المؤسسة الأولى أربع سلاسل تركيب، مخبرا مركزيا للتطوير وكذلك إدماج ميكانيك، حيث تقوم بإنتاج أجهزة الإشارة والمعلومات المنشآتية والتكتيكية لمختلف وحدات الجيش الوطني الشعبي.
أما مؤسسة الكوابل فلديها مصنع يقوم بصنع الألياف البصرية للاستعمال الداخلي والخارجي (كابل مدرع)، انطلاقا من المادة الأولية «لاسيليس».
معظم الأجهزة والوسائل في هذا المجال، تم تحقيق الاكتفاء الذاتي وإنتاجها محليا، يوضح الإطار بالمؤسسة، وذلك بالاعتماد على خبرات وطنية خضعت لتكوين عالمي وفق اتفاقيات شراكة، وتقوم حاليا بتصميم وتصنيع وتركيب مختلف هذه الأجهزة بأياد جزائرية وكفاءات محلية، تخرجت من المدارس التابعة لوزارة الدفاع الوطني مثل المدرسة متعددة التقنيات والمدرسة العليا للإشارة. كما توفر مؤسسة تجديد عتاد الإشارة مختلف التكوينات، مثل التكوين في التلحيم اليدوي حسب المعايير الدولية، يستفيد منه المهندسون العاملون على مستوى سلاسل التركيب وورشات الصيانة لمختلف وحدات سلاح الإشارة وتجديد العتاد.
سلاح جزائري متطور
اعتمدت المؤسسة العسكرية على القدرات الذاتية منذ سنوات، لتطوير صناعة الأسلحة. وتملك مؤسسة البناءات الميكانيكية بخنشلة التابعة للقطاع الاقتصادي للجيش الوطني الشعبي، بحسب المقدم فضيل قاسي، في تصريحه لـ»الشعب»، خبرة أكثر من 30 سنة في مجال الصناعة الميكانيكية، اختصاص دراسة وإنتاج وتسويق الأسلحة الخفيفة بنسبة إدماج 100٪، وتقديم الخدمات التقنية وإنتاج قطع الغيار وأدوات للمناولة للخواص والشركات العمومية.
وتتوفر المؤسسة، يقول المقدم قاسي، على عدة ورشات، منها ورشة التصنيع الرقمي، ورشة الحقن بالمواد المركبة، والحقن بالمعادن، والمعالجة الحرارية، ومراقبة الجودة والنوعية بوسائل جد متطورة.
وقدمت في الطبعة 53 لمعرض الجزائر الدولي، جديد صناعتها، المتمثل في السلاح الرشاش عيار 7 ملم، والبندقية الرشاشة عيار 7,62، وهي أسلحة جديدة دخلت الإنتاج هذا العام، وحققت المؤسسة الاكتفاء الذاتي في تسليح أفراد الجيش الوطني الشعبي في مجال الأسلحة الخفيفة مثل المسدس الرشاش، الرشاش عيار 12,7 ملم، البندقية الرشاشة عيار 7,62، مسدس نص آلي والمسدس الآلي، وبندقية الصيد وبندقية قذيفة القنابل.
وتملك المؤسسة القدرات لصناعة أي سلاح خفيف ووفق التطورات الحاصلة، كما تقوم بإنتاج منتجات ثانوية، مثل آلات القطع، في مجال المناولة وقطع الغيار، أدوات القطع والمراقبة، وكل أنواع النوابض، القوالب وهذه المنتجات توجه لجميع وحدات الجيش، والخواص كذلك.
تفتّح مؤسسة البناءات الميكانيكية على القطاع المدني العمومي والخاص، يهدف، بحسب المقدم قاسي، إلى إثراء نسيج الاقتصاد الوطني. وتعتمد في تحقيق أهدافها على الكفاءات الوطنية من خريجي المدارس والجامعات الجزائرية، حيث يتم إخضاعهم لتكوين خاص على مستوى المؤسسة بعد توظيفهم. كما اعتمد تكوين مستمر لصالح أفراد المؤسسة بعد دخولهم العمل مع الجامعات ومراكز التكوين المهني، لأن العمال من جميع الأصناف، ويستفيدون من دورات رسكلة وإعادة تأهيل، كلما اقتضت الضرورة.
كما أن المؤسسة تفتح أبوابها لتربصات طلبة الجامعات القريبة منها، وتواكب التطورات، عن طريق وحدة مختصة في البحث والتطوير التابعة للمؤسسة والتي تعمل على تطوير الأسلحة وعصرنتها بما يتوافق ومتطلبات العصر. وقال المقدم قاسي، إن «المؤسسة لديها نموذج في طور الإدماج، يتعلق الأمر بهيكل برج ميكانيكي مجهز بكاميرا تحديد الهدف بدقة. كما تعمل المؤسسة، التي تبقى متفتحة على المنتجات الجديدة، على تطوير الأسلحة وإدخال نماذج جديدة، مثل المسدس الرشاش عيار 9 ملم، بندقية الضخ نصف آلي عيار 12 ملم، بندقية الصيد ثنائية المقصورة، وهي مشاريع مستقبلية تدخل الإنتاج العام المقبل».
مرسيدس vip للأفراد.. وعيادات متنقلة قريبا
شدت سيارة مرسيدس vip المنتجة من طرف الشركة الجزائرية لصناعة العربات علامة مرسيدس بنز، إليها أنظار الصغار قبل الكبار، وتوافد على جناح مؤسسة تطوير صناعة السيارات التابعة لمديرية الصناعة العسكرية، أفراد وجماعات، يستفسرون عن سعر السيارة الفخمة، «مرسيدس بنز كلاس جي» بعد طرحها للبيع للخواص.
وأحصى ممثل مؤسسة تطوير صناعة السيارات بمديرية الصناعة العسكرية الملازم الأول مصطفى تلمساني، في تصريح لـ «الشعب»، وجود طلبات كثيرة من الخواص، لاقتناء السيارات من علامة مرسيدس التي تتوفر على أجهزة الضمان، الراحة والأمن، بالإضافة إلى أنها قليلة الأخطار (4 مقاعد، و6 مقاعد) وكذا تلك المخصصة لنقل البضائع بمختلف أنواعها.
وكشف الملازم الأول تلمساني، عن تركيب أنواع جديدة من السيارات الموجهة للقطاع العسكري والمدني، وزيادة عدد السيارات المخصصة لإطفاء الحرائق الموجهة لمصالح الحماية المدنية، ومديرية الغابات، والسيارات المصفحة المخصصة لنقل الأموال والموجهة للبنوك ومراكز البريد. كما تم تقديم أنموذج سيارة إسعاف جديدة، لم يشرع في إنتاجها بعد، بحيث يجري الاتفاق مع الشريك التركي لتجسيد المشروع، الذي يضم نوعين من سيارات الإسعاف واحدة صحية، والأخرى عبارة عن عيادة طبية متنقلة، مجهزة بكافة الوسائل وتحتاج إلى طبيب فقط، للتدخل في الحالات الصحية الحرجة.
أما منتجات شركة «سوناكوم» التي أصبحت تابعة لمؤسسة الجيش الوطني الشعبي، فقد نالت هي الأخرى استحسان وإعجاب الجمهور، وظهرت بصورة جيدة غير تلك الشاحبة التي كانت عليها قبل إلحاقها بإدارة الصناعات العسكرية. وقال الملازم الأول تلمساني، إن «هذه الشركة استرجعت قواها حاليا، وتقوم بتصنيع منتوج ذي جودة عالمية بنسبة إدماج تفوق 90٪، على غرار مختلف الهياكل، مثل شاحنات رمي القمامة، والشاحنات بمقطورة كبير، موجهة لجميع القطاعات والمواطنين حسب الاحتياجات».
وقدمت شركة صناعة العربات الثقيلة برويبة، هي الأخرى نماذج من صناعات ناجحة تخص الشاحنات والحافلات، الموجهة للجيش والجمهور على حد سواء.
وتطمح «مرسيدس بنز» و»سوناكوم» بعد التعافي، إلى ولوج الأسواق الإفريقية، خاصة وأن منتجاتهما لاقت استحسان ورضا داخلين، نظرا لجودتهما واحترامهما المعايير العالمية، وملاءمتهما لمناخ المناطق الصحراوية والإفريقية.
قطع غيار للمؤسسات العمومية والخواص
لم تكن مؤسسة تطوير صناعة السيارات، المؤسسة العسكرية، التي انفتحت على الصناعة المدنية، الوحيدة التي قدمت الدعم للاقتصاد الوطني، بمنتجات نوعية واحترافية، فمجمع ترقية الصناعة الميكانيكية، يعد هو الآخر أنموذجا للمؤسسات التي ساهمت ومازالت بقوة في تلبية الاحتياجات الوطنية المعبر عنها من قبل القطاع العسكري والمدني وهذا يعتبر «إنجازا كبيرا في حد ذاته»، مثلما ذكر الرائد عبد الله شيتة في تصريحه لـ «الشعب»، لأنه ينقص من فاتورة الاستيراد.
ويهدف مجمع ترقية الصناعة الميكانيكية، وهو مؤسسة عمومية ذات طابع اقتصادي تابع لوزارة الدفاع الوطني، إلى تطوير الصناعة الميكانيكية وترقيتها على المستوى الوطني، من خلال توفير القطع الميكانيكية للمؤسسات التابعة له أو للمؤسسات العمومية والخاصة، عن طريق المنشآت وفروعه، لأنه يتكون من عدة فروع، منها مسبكة تيارت، مسبكة رويبة، المؤسسة العمومية الاقتصادية للصناعات الميكانيكية رويبة، وعين سمارة، ويوجد مؤسسة للمحركات بقسنطينة، كما يهدف إلى رفع القدرات الإنتاجية في القطاع الميكانيكي والمناولة ورفع نسبة الإدماج المحلي.
ويعتمد المجمع على عنصر بشري مكون في المعاهد والجامعات الجزائرية، وبعد توظيفهم يتم إخضاعهم لتكوين إضافي في معاهد المجمع، منها معهد التكوين في التكنولوجيات وصناعة السيارات، ثم تكوين خاص في الشركة التي يعمل بها، كما يتم تكوين العنصر البشري في الخارج.
منظومة رقابة عالية الجودة
ولأن الاستقرار الأمني، يعتبر عاملا مهما لانتعاش الاستثمارات واستقطاب رؤوس الأموال والأجانب الراغبين في الاستثمار في الجزائر، تعمل مؤسسة إنجاز أنظمة المراقبة بواسطة الفيديو، على وضع خبرتها وتجربتها، تحت تصرف السلطات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، لإمدادها بمعدات وآليات تأمين المنشآت والفضاءات، تتولى كفاءات وطنية في اختصاصات الهندسة المدنية، الإلكترونيك والإعلام الآلي تصميم منظوماتها واختيار التجهيزات والشبكة والطاقة وتثبيتها، وفق منظومة متكاملة ومدمجة.
وأوضح إطار بمؤسسة انجاز أنظمة المراقبة، في تصريح لـ «الشعب»، أن هذه المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والاقتصادي، التي أنشئت بمرسوم رئاسي سنة 2009 وتخضع لوصاية مديرية الصناعة بوزارة الدفاع الوطني، تنشط في مجال تأمين المنشآت العمومية والمناطق الحساسة والصناعية والفضاءات المفتوحة للجمهور. وتقوم المؤسسة بتثبيت منظومة المراقبة عن طريق الفيديو ومنظومات مضادة للتسلل، تكفلت بإنجاز عدة مشاريع على مستوى ولايات نموذجية، منها الجزائر، البليدة، وهران، غرداية، قسنطينة، سطيف، عنابة وولايات أخرى، قيد الانجاز مثل ورقلة. كما أنجزت مشاريع على مستوى الشركات الصناعية، مثل سوناطراك، نفطال، سونلغاز، وكذا جامع الجزائر، الذي به أكثر من 800 كاميرا قيد الاستغلال حاليا.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، عملت المؤسسة، بالتنسيق مع مصالح ولاية الجزائر، ووزارة الداخلية على تأمين الشوارع، الفضاءات العمومية، وأنجزت المشروع عبر مراحل، تم تثبيت في المرحلة الأولى 1700 كاميرا، والمرحلة الثانية تشمل تثبيت 3 آلاف كاميرا، ونفس الأمر سيتم بولاية البليدة، حيث يراعى في تثبيت الكاميرات حساسية المناطق التي يتم تأمينها، تختارها المصالح المختصة، مثل الساحات العمومية، الطرق والمداخل ومخارج الطرق، بحيث لا تجد المصالح الأمنية أي صعوبة في تحديد أي لبس أمني، في حال وقوع أعمال مشبوهة أو أعمال تخريبية، كما يسمح لها بتحقيق التغطية الأمنية الكاملة.