فتح المجلس الشعبي الوطني، نقاشا حول مراجعة وإصلاح سياسة الدعم الاجتماعي في الجزائر، الذي تنوي السلطات العمومية، لأول مرة، الخوض فيه ليكون الدعم عادلا وموجها لمستحقيه، بدل النزيف الذي يتعرض له الاقتصاد الوطني جراء الدعم المعمم.
طفت تساؤلات حول أكبر عائق يواجه العملية، إلى السطح، منها كيف يمكن ضبط وتحديد وإحصاء الفئات الاجتماعية المستهدفة بالدعم الموجه، مثلما نشرت جريدة “الشعب”.
تحدث المتدخلون خلال اليوم البرلماني، عن ضرورة إيجاد الآليات لتطبيق مراجعة الدعم، مع إشراك دور الجماعات المحلية في الإنتقال لهذه الخطوة الهامّة جدا، اعتمادا على وسائل الإحصاء والرقمنة وغيرها.
الوسطاء يستحوذون على 152 مليار دينار سنويا
وكشف عبد العزيز فايد، المدير العام للميزانية بوزارة المالية، عن آخر أرقام الدعم الذي تساهم به الدولة من خلال تدخلها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي في تعزيز التضامن الاجتماعي والحماية والحفاظ على الفئات الهشة، وكذا في تطور الاقتصاد الوطني من خلال ترقية الاستثمار، حيث بلغ إجمالي الإعانات خلال سنة 2021 حوالي 5131 مليار دج وهو ما يعادل 23% من الناتج المحلي الخام. في وقت يستحوذ الوسطاء، عن غير وجه حق، على ما يقارب 152 مليار دج سنويا من إعانات الدولة المخصصة أساسا للأسر.
أوضح فايد، أثناء مداخلة له في اليوم البرلماني الموسوم بـ «موافقة البرلمان لسياسة إصلاح الدعم الاجتماعي… من الدعم المعمم نحو الدعم المكيف»، أن هذا التدخل يتجسد في أن أجهزة الإعانات والتحويلات الاجتماعية، تنقسم إلى إعانات صريحة ممولة من ميزانية الدولة وتتضمن أساسا التحويلات الاجتماعية، وإعانات ضمنية وتتمثل في الإيرادات غير المحصلة والتي تتخلى عنها الدولة على شكل حوافز جبائية، مزايا تجارية ودعم أسعار المنتجات الطاقوية المسوقة محليا، حيث تتخذ هذه الإعانات الصريحة والضمنية شكلين من حيث تنفيذها، إعانات موجهة، مثل تلك الخاصة بدعم السكن، الصحة، التقاعد وغيرها… وإعانات شاملة المتمثلة أساسا في دعم الدولة لأسعار المنتجات الأساسية (المنتجات الغذائية والمنتجات الطاقوية والماء).
2800 مليار دينار سنويا لدعم الوقود
وبالأرقام أعطى فايد الإحصائيات الكبرى المميزة للنظام الحالي للإعانات الشاملة للدولة، حيث يتراوح إجمالي الإعانات الصريحة والضمنية خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2021 ما بين 3900 مليار دج، وأكثر من 5130 مليار دج. وقد احتلت الإعانات الشاملة ما يعادل 56% من إجمالي هذه الإعانات خلال نفس الفترة، أي ما يقارب مبلغ 2800 مليار دج سنويا.
أما عن الأرقام الكبرى المميزة للنظام الحالي للإعانات الشاملة للدولة خلال سنة 2021، فقد بلغ إجمالي الإعانات الصريحة والضمنية حوالي 5131 مليار دج وهو ما يعادل 23% من الناتج المحلي الخام.
وقد احتلت الإعانات الشاملة ما يعادل 62٪ من إجمالي هذه الإعانات، وهو ما يقارب مبلغ 3181 مليار دج، أي ما يمثل 14% من الناتج المحلي الخام.
402 مليار دينار خصصت للتحويلات الاجتماعية في 2021
وأبرز المسؤول، أن الإعانات الشاملة خلال سنة 2021، توزعت إلى 87٪ من الإعانات الضمنية و13٪ من الإعانات الصريحة، حيث بلغت الإعانات الصريحة حوالي 402 مليار دج، كما بلغت الإعانات الضمنية حوالي 2779 مليار دج، 96,5٪ منها خصص لدعم أسعار المنتجات الطاقوية المسوقة محليا.
وبنفس السنة، توزعت الإعانات الشاملة، حسب نوع المنتج، إلى 85٪ لدعم أسعار المنتجات الطاقوية، أي ما يعادل مبلغ 2703.8 مليار دج، 13٪ لدعم أسعار المنتجات الغذائية بمبلغ 413.6 مليار دج، و2٪ لدعم أسعار الماء بمبلغ 63,6 مليار دج.
دعم مُباشر بقيمة 5131 مليار دينار خلال 2021
وكأمثلة عن ذلك، قال المسؤول، إنه خلال سنة 2021 بلغ متوسط سعر بيع البترول في الأسواق العالمية 7 مرات أكثر من سعرها المطبق محليا، فقد بلغ متوسط سعر التصدير 72,3 دولارا للبرميل مقابل 10,27 دولار للبرميل المسوق لوحدات التكرير محليا. كما بلغ متوسط سعر بيع الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية 30 مرة أكثر من سعره المطبق محليا، فقد بلغ متوسط سعر التصدير 5,8 دولار لوحدة الغاز الطبيعي، مقابل 0,19 دولار لوحدة الغاز الطبيعي في السوق المحلية.
وأشار فايد إلى أنه من حيث تطبيق الأسعار الأكثر انخفاضا عالميا، احتلت الجزائر المرتبة الأولى بالنسبة لسعر غاز البترول المميع الموجه للوقود، والثانية بعد إيران بالنسبة للغاز الطبيعي والخامسة بالنسبة لأسعار الوقود (البنزين والديزل).
الأغنياء يستفيدون 7 أضعاف من دعم الوقود
وبحسب ممثل وزارة المالية، فإنه لا تقتصر إشكالية الإعانات الشاملة للدولة في أهمية النفقات فقط، بل بفعالية ونجاعة وجدوى هذه النفقات وكذا آثارها بالنسبة للأهداف المرجوة، موضحا أنه تم الشروع في أشغال تقييم أجهزة دعم أسعار المنتجات الأساسية (المنتجات الغذائية، المنتجات الطاقوية والماء)، ومن بين أهم نتائج تقييم النظام الحالي للإعانات الشاملة للدولة، أنه يشجع تطبيق الأسعار المنخفضة للمنتجات المستفيدة من الإعانات الشاملة في السوق الوطنية على سلوك التبذير والاستهلاك المفرط عند المستهلكين من أسر ومتعاملین اقتصاديين، كما تشكل التغطية المالية للإعانات الشاملة عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة من حيث ارتفاع النفقات وانخفاض الإيرادات، ناهيك عن أن الاعانات المخصصة لدعم أسعار المنتجات الأساسية شاملة ولا تفرق بين الأسر الغنية والفقيرة.
كما أن الإعانات المخصصة لدعم أسعار المنتجات الأساسية شاملة ولا تفرق بين الأسر الغنية والفقيرة، الى جانب أن الإعانات المخصصة لدعم أسعار المنتجات غير عادلة، فبالنسبة لبعض المنتجات فإن الإعانة التي تستفيد منها أسرة غنية أكبر بكثير من تلك الموجهة للأسر المعوزة. بالنسبة للوقود مثلا، فإن الإعانة التي تستفيد منها أسرة غنية تمثل 7 مرات تلك التي تستفيد منها أسرة معوزة.
وأضاف في السياق، أن «التعدد وتعقيد الأجهزة الحالية للإعانات الشاملة للدولة، يصعب تطبيق رقابة فعالة على جميع المتدخلين فيما يخص الأسعار المطبقة وتوفر المنتجات. بالنسبة للمنتجات الغذائية فقط، فإن ما يقارب 152 مليار دج سنويا من إعانات الدولة المخصصة أساسا للأسر، يستحوذ عليها الوسطاء عن غير وجه حق. كما تقوم الإعانات الشاملة على فكرة دعم أسعار المنتجات دون مراعاة القدرات المالية لمستهلكي هذه المنتجات أو القدرات المالية للدولة، التي تخصص لها سنويا مبالغ مالية هامة دون تحقيق الأهداف المرجوة منها.
الانسجام الاجتماعي يقتضي مراجعة آليات الدعم
وأكد إبراهيم بوغالي، رئيس المجلس الشعبي الوطني، أن نمط الدعم المعمم أصبح من الضرورة بما كان أن يستجيب لمجموعة من المقاييس والمعايير الموضوعية توخيا للعدالة في التوزيع، وضمانا للانسجام الاجتماعي الذي يقتضي مراجعة آليات هذا الدعم ليستفيد منه مستحقوه، لأن الأصل في الدعم هو أن يحدث توازنا اجتماعيا ويقلص دائرة الفوارق بين أفراد المجتمع.
وأبرز بوغالي، في كلمة له بمناسبة اليوم البرلماني المخصص لمراجعة سياسة الدعم، أن حساسية هذا الملف تقتضي توفر مجموعة من الشروط لتبلغ مبتغاها وتحقق أهدافها، لعل أهمها ما يتعلق «برقمنة العناصر المحددة لدخل الأسر وإعداد وضبط البطاقية الوطنية، لتكون العملية في كنف الشفافية والمكاشفة، وهو الأمر الذي حرص عليه الرئيس عبد المجيد تبون وتضمنه قانون المالية، وقد نال من البرلمان بغرفتيه ما يستحق من وقفات وقراءات وتصورات للآليات التي تضمن الانتقال من الدعم المعمم الذي لم يعد يتماهى والتطور الحاصل للسياقات العامة، إلى الدعم الموجه والمكيف ضمن ميكانيزمات واضحة تتحكم فيها دقة الإحصاء والضبط والوضوح، وجاءت المادة 188 من قانون المالية لتؤكد ذلك».
وقال بوغالي إن: «إن المجتمع القوي هو المجتمع المتماسك المتلاحم، وتحقيق العدالة الاجتماعية يعد ركيزة هذا التماسك، وما أطلقه رئيس الجمهورية في مبادرة لم الشمل وتوحيد الصف، إلا تعزيزا لهذا التوجه النبيل، بل هذا المبدأ الأصيل أصالة شعبنا المجيد، وما تجاوب المؤسسات المختلفة مع هذا المسعى إلا دليلا قاطعا على قناعة الجزائريين وتشبثهم باللحمة الوطنية وبوحدة هذا الشعب الذي قدم من التضحيات الجسام، وعلى مر العصور، من أجل أن تكون الجزائر، بكل مكوناتها، عنوانا لتعلق الشعب بوطنه؛ وطن يسوده الأمن والاستقرار وتكتنفه فضيلة التعاون والتكافل؛ وطن الحريات والمساواة في الحقوق والواجبات.
وأوضح بوغالي، إن «تعاون واتحاد الجميع وإثارة المصالح العليا للوطن، هو السبيل الأوحد لمواجهة كل التحديات التي يفرضها الراهن. والتفافنا حول ما يجمع كلمتنا هو من صميم قناعات شعبنا والتي أكد عليها السيد الرئيس وتجاوبت الأحزاب معها، وكل الفواعل، وكذا البرلمان بغرفتيه، ومؤسسة الجيش الوطني الشعبي بكل أفراده البواسل الذين برهنوا على أن الجزائر ستظل قوية مُهابة، آمنة ومستقرة مهما كانت الظروف وفي جميع الحالات، فمن على هذا المنبر أوجه أسمى آيات العرفان لجيشنا الوفي للوطن ولعهد الشهداء الأبرار».