أمر رئيس الجمهورية، بإثراء قانون الجمعيات الصادر سنة 2012، مع إيلاء أهمية بالغة لهذا القانون المنظم للمشهد الجمعوي تعميقا للمسار الديمقراطي ما يقتضي إثراء مشروع القانون ومراجعته بشكل يستوجب تفادي تجارب سيئة شهدتها الجزائر.
ألح الرئيس في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، على ضرورة توضيح وتدقيق كيفيات وشروط إنشاء الجمعيات بشكل لا يدع أي مجال للتأويلات والقراءات المختلفة في مضمون القانون.
أكد البروفيسور رابح لعروسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر3، في إفادة لـ”الشعب”، أنه حان الوقت لإعداد نص قانوني يتعلق بالجمعيات، حيث أن القانون العضوي الذي يحمل رقم 12-06، لم يعد يستجيب لقواعد العمل الجمعوي في الجزائر، مبرزا أن التعديلات يجب أن تكون مطابقة للتغييرات الدستورية لسنة 2020، حيث تنص المادة 53 من الدستور على حق إنشاء الجمعيات، وهذا في ظل إعطاء دور للمجتمع في الحياة السياسية، ولتكريس هذا الحق الذي يدخل ضمن بنود العديد من الاتفاقيات الدولية التي وقعت الجزائر عليها.
وأكد الأستاذ أن القانون المعمول به حاليا والصادر سنة 2012، أقر حزمة من التعديلات، التي مست قوانين متعلقة بالجمعيات، مبرزا أن إشكالية عدم الاتفاق علي مفهوم المجتمع المدني، تمثل مشكلة في التوصل إلى مقارنات دقيقة للوضع الراهن للمنظمات غير الحكومية .
وعاد الأستاذ الجامعي للحديث عن القانون رقم 12/06، الذي قال انه بمثابة إثراء للقانون 90/31، حيث أنه أكثر صرامة وتقييدا لحرية العمل الجمعوي، وكان من المفترض أن يكون أكثر انفتاحا خاصة أن صدوره صاحب خطاب تكريس معالم الديمقراطية التشاركية.
وأضاف أن “القانون 12/06 سعى إلى تشديد الإجراءات في تأسيس الجمعيات وفرض رقابة مشددة على نشاطها ومواردها المالية، وعلاقاتها بالأحزاب السياسية ومختلف الجمعيات الدولية، ما انعكس سلبا على أداء الجمعيات في الجزائر، فبالرغم من تعداد الجمعيات والذي تجاوز الآلاف، لكن نشاطها لا يزال هزيلا وضعيفا وغالبا ما يتصف بالموسمية والمناسباتية، ما أسهم في تراجع دور حركات مؤسسات المجتمع المدني على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وطنيا ومحليا”.
وعن أهم النقاط التي يجب أن يأخذها المشرع بعين الحسبان في القانون الجديد، تحدث لعروسي عن رهانات قانون الجمعيات الجديد، المتمثلة خصوصا في الاستقلالية، ومسالة المنفعة العامة حيث أن القانون الموجود لم يتحدث عن الجانب الاستثماري للجمعيات، وكيف يتم تقنين اتكال الجمعيات على التمويل الداخلي، وهو مشكل كبير في نظره، معطيا مثالا حول الأمر، اذ أن الجمعيات التي تملك مقرات، يجب الترخيص لها من اجل استغلالها في إطار نشاطاتها التي تعود عليها بمداخيل مالية، بشرط أن تكون تحت مراقبة السلطات المعنية حتى لا تبقى عبئا على ميزانية الدولة.
وأشار الأكاديمي إلى نقطة مهمة تتمحور حول التسهيلات المتعلقة بإنشاء الجمعيات، ومسالة الرقابة القبلية والتحقيقات، التي أضحت من الضروريات مع التطور الجديد، وبروز انخراط كبير للشباب في العمل التطوعي، على غرار ما حدث خلال الأزمة الصحية على اثر وباء كورونا، حيث شهدنا هبة كبيرة للانخراط في العمل الجمعوي، متسائلا كيف يتم تسهيل العمل الجمعوي في ظل الشروط الإدارية والقانونية الحالية، وذلك بغية تسهيل الأمور حتى يتمكن من تقديم أعمال تطوعية أكثر فعالية.
وفتح لعروسي قضية توفير المقرات للجمعيات، خاصة تلك التي تملك روح المبادرة، مقترحا أن تفكر الجماعات المحلية ببناء “دار الجمعيات”، حيث يتم بموجبها توفير مقر لأي جمعية ناشطة في المجال.
وشدد على ضرورة تدعيم الجمعيات ذات المنفعة العامة، على غرار التي تتكفل باليتيم والفقراء والثكالى، ذات طابع المنفعة العامة، حيث لابد أن تستفيد من دعم كبير من الدولة، حتى يكون هناك تنافس في العمل الخيري والوصول للريادة في النفع العام.
ودعا الأستاذ الجامعي، في السياق لتطهير الساحة من الجمعيات الطفيلية، مطالبا باجبارها على تقديم حصيلة عن نشاطاتها.
وتحدث البروفيسور لعروسي عن ضرورة وضع حدود واضحة بين النشاط العضوي لمؤسسات المجتمع المدني التي تتأسس على العمل التطوعي، وبين والنشاط العضوي لمؤسسات الدولة والأحزاب السياسية التي يكون هدفها ممارسة السلطة، أو محاولة الوصول إليها.
وقال “هناك العديد من الجمعيات ذات طابع حزبي وتعمل لصالح أجندات حزبية”، مطالبا من خلال تعديل القانون الجديد بتوضيح الصورة والصبغة للفصل بين العمل الحزبي والجمعوي، لتجنب ما حدث في مواعيد سياسية عرفتها الجزائر، حيث أصبحت الجمعيات بمثابة لجان مساندة، إذ لابد للقانون الجديد أن يكون صارما وواضحا في هذا المجال.
وحذر، لعروسي من الجمعيات المهتمة بفئة الطفولة، حيث تعمل على استغلالها لهذه الفئة لأغراض إجرامية، من خلال المتاجرة بالأطفال، لذلك لابد من تشديد الرقابة عليها، مثلما يقول.