قبل التواصل الاجتماعي، كنا نتعرّف على الأمم من خلال الكتابات، أو الروبورتاجات الصحفية والأفلام بأنواعها، وكانت الأمم، عبر جميع أنحاء العالم، تبدو رائعة بكتّابها وفنانيها، وكبار مخترعيها، ومواقعها التاريخية، بل إن صعاليك الأمم أنفسهم، كانوا يعرضون بأسلوب أدبيّ محكم، يجعل المتلقي يتقبّل جنونهم، ويعتبره نوعا من التّرفيه..
ثم جاءت وسائل التّواصل الاجتماعي، فصمت الأدباء والفنانون والعلماء، أو كادوا يصمتون، وأصبحت الكلمة في متناول الجميع، وإذا صورة العالم تختلف، وتُخرج الأمم ما يندى له الجبين من حماقات عجيبة، تحوّلت في ظرف قياسي إلى صور نموذجية عن كلّ بلد، يقدّمها الحمقى والمغفلون، وهم يعتقدون أنّهم يثمّنون واقع مجتمعاتهم، أو يمارسون نوعا من الإصلاح، يتّخذون له أسبابا عبقرية في الطّرح، متجاوزة في التقديم، عالية في الرؤية!!.
ولا شكّ أن المجتمعات كلّها عبر العالم، تجمع بين الجيّد والرديء، فهذه طبيعة إنسانية لا تستثني أحدا، لكن، حين تتعرف على بلد ما، من خلال كتابات أديب أريب، فإنّك لن تحتفظ له بنفس الصّورة حين تكتشفه من خلال خزعبلات أحمق، ولسنا نحتاج إلى دليل نقيمه على أن الواقع المعيش حاليا، إنّما يسوّق صورته الحمقى والمغفّلون، وهؤلاء يفسدون كل الصّور الراقية التي تمثل المجتمعات وفق مقتضيات تراتبيتها القيمية، وعناوين أصالتها، ورسالتها السّامية في محفل الأمم..
ولسنا نأتي بجديد، إذا قلنا إن الواحد من النّاس صار يخجل من بعض الصّور التي تسوّق باسم مجتمعه، وهو يعلم بأنّ مجتمعه أعلى من الأسئلة الحمقاء التي يصرّ بعضهم على إثارتها، وإلصاقها به، وهو منها براء؛ ولهذا، لا ينبغي أبدا أن يفوتنا بأن صورة المجتمع، هي مسؤولية غاية في الأهمية، يتحمّل أعباءها الجميع، وينبغي البحث عن وسيلة تضع حدّا لسوق الحمقى.. فالأمر بلغ حدّا لا يطاق..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.