لا نعرف صراحة كيف استقرّ مفهوم «النقد»، على أنّه الكتابات التي تتصيّد النقائص لا تتجاوزها، وتبحث عن المثالب، وقد تصطنعها، مع أن «النّقد» في أصله هو البحث عمّا يمنح العمل قيمته الفنيّة، ويفتش في خلفياته ورموزه وما يحيط به، كي يكشف عن رسالته، ويجعلها في متناول القارئ.
والظاهر أن تصيّد النّقائص يفسح لـ(الصّياد) مساحة واسعة كي يلعب دور بطولة افتراضية، حين يقدّم ألوانا من معارفه العظيمة، فينشغل بهمزة نقصت هنا، ورفع كان ينبغي أن يكون هناك، وشيء من التّركيب والتفكيك، وهذه لا توجد عادة في الأعمال الفنيّة الحقيقية، وإنّما هي مما يتسلل إلى سطور المبتدئين؛ ولهذا، قلّما نجد (ناقدا) يهتم بالعمل المحترف، ويكتفي ببناء صورته المثالية على حساب كتّاب في طور التكوين، كان ينبغي أن يأخذ بأيديهم، لا أن يتعالى عليهم..
هذه صورة مصغّرة عمّا توطّن من «سلوكات» بساحتنا النّقدية، يتولى كبرها بعض (الأبطال) الذين لا يضيفون شيئا إلى الفنّ والأدب، عدا التباهي بمعارف سطحية، والفخر بقراءات عرضية لا قدرة لها على رؤية أيّ شيء جميل، بله عن التأسيس لجيل أدبي جديد، يكون خير خلف لأجيال من أدبائنا وفنانينا الكبار الذين كان حظهم حسنا، ولم يجدوا هؤلاء الأبطال كي يقمعوهم في بداياتهم الأولى..
صراحة، لو كان أصحاب البطولة، نقادا حقيقيين، لوجّهوا جهودهم إلى الأعمال الفنيّة، ولكنّهم فضّلوا أن يكونوا حراسا لبوابة الفنّ، ويعيشوا أوهام البطولة الخارقة حين يقمعون بسمة هنا، وزهرة هناك..
وليس عيبا أن يخطئ الكاتب المبتدئ، فهناك كتاب عالميون، يفرّ القارئ لو يطّلع على بداياتهم الأولى، ومع ذلك صاروا عالميين، بل صاروا مراجع موثوقة، لأنهم – ببساطة – وجدوا من يشدّ بأيديهم، ويوجههم التوجيه السّليم..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.