تحدّث الوزير والدبلوماسي السابق، وعضو مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي حاليا، كمال بوشامة، عن النجاحات والإخفاقات التي عرفتها الجزائر كدولة مستقلة منذ تاريخ 5 جويلية 1962.
أشار إلى أن أهم انتصار لها يتمثل في ثقل دبلوماسيتها عبر العالم، ما ترجم مواقفها الثابتة والتي كانت سببا في وديان الدماء التي سالت بداية التسعينيات من القرن الماضي، بعد مؤامرة داخلية وخارجية. فيما أكد أن الجزائر قبل تاريخ 5 أكتوبر 1988 عرفت إخفافات تمثلت في الثورتين الزراعية والصناعية وحتى التعليم الذي لايزال بحاجة إلى إصلاح.
دافع المناضل السابق في جبهة التحرير الوطني كمال بوشامة، لدى حلوله ضيفا على منبر جريدة «الشعب»، عن عهد الأحادية في الجزائر ــ الحزب الواحد ــ وعن الدبلوماسية الجزائرية.
وأبرز الدور الكبير الذي قامت به في سبيل الدفاع عن القضايا العادلة، من خلال إرسال الوفود الجزائرية لمناصرة القضايا العادلة عبر العالم، من باب أن النشاط الحزبي لجبهة التحرير الوطني كان قويا في الخارج ويتحكم في زمام الأمور.
سبب فشل الثورة الزراعية!
وأشار إلى أن الجزائر عرفت نجاحات كبيرة قبل انفجار 5 أكتوبر 1988، وبداية التعدّدية السياسية والإعلامية في البلاد.
وأكد بوشامة، أنه شخصيا وهو ذلك الفتى اليافع الذي لم يتجاوز عقده الثاني، شارك في أول مؤتمر دولي للشباب بروما الإيطالية، حيث مثّل دولة الفيتنام زيادة على الشباب الجزائري بمعيّة مسعود آيت شعلال، الذي كان سفيرا آنذاك، لإظهار القضية الفيتنامية العادلة مصنوعة من حطام الطائرات الأمريكية.
ونظمت الجزائر في 1970 بروما مؤتمرا دوليا في روما ضم وفدا دوليا كبيرا، وتحملت كل المصاريف بالاشتراك مع الحزب الشيوعي الإيطالي.
وأضاف، أنه وقبل سنة 1988، كانت آلة الدبلوماسية الجزائرية في إطار الحزب الواحد تتحرك، حيث بدأنا بالدفاع عن قضية الشعب الصحراوي من خلال التوجه إلى دول عربية، على غرار سوريا والعراق رفقة إبراهيم غالي للتعريف بالقضية، وإخراجها من إقامة الدولة بنادي الصنوبر البحري، وتوجهنا لأوروبا الغربية بتنظيم مؤتمرات.
وقال: «فعلا نظم مؤتمر يضم 100 وفد بالتعاون مع الحزب الاشتراكي الإيطالي، وكان ناجحا بجميع المقاييس. وفي سنة 1982، عقد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد مؤتمرا بمدريد، بالتعاون مع حزب العمال الاشتراكي، وكان العمل متناسقا وكانت علاقات وطيدة مع المسؤولين الإسبان». وفي هذا الصدد، أشار ضيف الشعب»، إلى أن الجزائر في عهد الحزب الواحد عرفت كيف تكسب أصدقاء لنا للدفاع عن القضايا العادلة.
وشدد الوزير الأسبق، على أن الجزائر في تلك الحقبة، قبل أحداث أكتوبر، عرفت نجاحات كبيرة، لكن هذا لم يمنع من تسجيل إخفاقات في مجالات عديدة، امتدت نتائجها ليومنا هذا وكانت بمثابة مرض عضال لم يُستأصل، حيث فشلت عدة سياسات في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، على غرار الثورة الزراعية والثورة الصناعية اللتين انطلقتا في سبعينات القرن الماضي، ويعود سبب تلك الإخفاقات للتعصب الذي كان سائدا آنذاك، وفق تعبيره.
وأشار صاحب كتابين حول «الحقيقة في الثورة الزراعية والصناعية»، أن «خير دليل على ذلك الفشل، امتداده ليطال مشاريع، مثل مصنع السيارات الذي تم الحديث عنه سنة 1984 واختفاء مشروع سيارة «فاتيا».
وأبرز أن، غياب التكوين في تلك الحقبة، كان سببا من أسباب الفشل، ليشدد على أن المسؤولين في مناصب قيادية كانوا يجاملون الرئيس والوزراء، وخير مثال هو كساد وفساد المنتوج خلال الثورة الزراعية التي منع بموجبها تصدير البضاعة للولايات الأخرى، حيث كان المنتوج الغزير يرمى في المزابل وهو أمر عارضه محدثنا وبشدة في تلك الفترة.
وقال: «لذلك فالثورة الزراعية لم تنجح لغياب الجرأة، كما لم ننجح في تربية الجيل الصاعد».
وعاد بوشامة من جديد للحديث عن الانفجار الشعبي بتاريخ أكتوبر 1988، وقال إنه «لم يأت سدًى، بل كان محضرا له، بعد انخفاض أسعار البترول وفشل الثورة الزراعية، وانتشار البطالة وتبعاتها من أزمة خانقة في السكن وغيرها من الظروف الإجتماعية التي مهدت لذلك الانفجار.
ما أدى إلى ظهور فتيل لدى بعض الأشخاص في البلاد الذين كانوا يتربصون، مع الدوائر المتحالفة، ضد البلد في الداخل والخارج، في وقت كانت الجزائر تتحدى العالم بمواقفها الصارمة والقوية للوقوف بجنب القضايا العادلة في العالم، أضاف ضيف «الشعب».
واسترسل يقول: «في خضم كل هذا، تم تقرير «استراتيجية التغيير» من قبل أعداء البلد، وتم إنشاء ديناميكية التغيير ممن يتربصون بالدوائر في الخارج، الذين لم يتحملوا استقلال الجزائر، وبعدها حدث الذي حدث وزُجّ بالشباب البريئ في الزوبعة، بعدما خرج للشارع من دون تردد».
وأضاف: «لكن الأهم بالنسبة لهم هو تغيير النظام وعزل جبهة التحرير الوطني. وبالرغم من كل هذا لم نكن نعارض في جبهة التحرير الأمر، بل رحبنا بكل التيارات وقبلنا بالتعددية الحزبية». وفي السياق، شدد صاحب 6 كتب عن جبهة التحرير الوطني، على أنهم كانوا رجال مطافئ، بينما الإدارة الجزائرية اللاإنسانية التي تكنّ الضغينة للشعب هي المتسبب فيما حدث.
استفسارات السوريين..
وأبرز أن جبهة التحرير الذي كان يضم انتهازيين في صفوفه ومتملّقين استغلوا الفرصة، وبعدها حدث الخطأ بعد انتخابات التسعينيات. ودون الخوض في تلك الظروف التي سبقت استحقاق سنة 1991، قال بوشامة: «بعدها حدثت أمور غريبة وصعبة جدا في الجزائر، وكنت حينها سفيرا قي سوريا، وكان السوريون يستفسرون عما يحدث في بلد المليون ونصف مليون شهيد، من سيلان أودية من الدماء».
وأضاف: «لكنني كنت دائما ما أرد عليهم، بأن الحياة مستمرة ولم تتوقف، وليس للدرجة التي تتصورنها، ممازحا إياهم بالقول «يوميا تقام هناك حفلات زواج أفراح وأحيانا يغتال أشخاص، وقلت لهم بالحرف الواحد أتمنى من الله أن لا تعم الحمى ببلدكم بقرار من الخارج يحطمكم».
ووصف عضو مجلس الأمة ما حدث بالمؤامرة، التي حكيت ضد الجزائر لتقدمها ونجاحها، وقال: «كانوا يريدون تركيع البلاد، ولازلنا لحد الساعة نعاني من مخلفاتها».
وأشار الوزير السابق، إلى أنه يضع كل ثقته في القيادة الحالية للبلاد، من دون إطناب، وقال: «يحاول المسؤول الأول عن الجزائر أن يقوم الأمور»، داعيا لمد يد المساعدة من المسؤولين ومن الجزائريين الموجودين في المؤسسات في البلد.