قطعت المنظومة الصحية في الجزائر على مدار ستين عاما أشواطا عديدة محققة بذلك مكاسب و إنجازات مست القطاع، خاصة ما تعلق بمجانية العلاج ومكافحة أمراض وأوبئة خطيرة، إلى جانب اعتماد سياسات صحية واستراتيجيات منظمة ومخططة، وفق احتياجات المواطن واستحداث مراكز وعيادات متخصصة لتقديم العلاج للمرضى، في كل مكان في إطار مساعي للرفع من مستوى الرعاية الصحية.
مجانيـة علاج وقضاء على أوبئة خطيرة
واجه قطاع الصحة، غداة الاستقلال، جملة من العوائق والصعوبات في ضمان تغطية صحية شاملة نظرا لقلة الإمكانيات المتاحة، في تلك الفترة والنقص الفادح للإطارات الطبية في مختلف الهياكل الصحية وما خلفه الاستعمار من مشاكل اقتصادية واجتماعية.
ما جعل الحكومة تقرر وضع استراتيجيات وبرامج وخطط، لإعادة مراجعة وإصلاح السياسة الصحية لما لها من دور كبير في تعزيز التنمية الصحية وتطوير وترقية المنظومة.
تميزت السنوات الأولى من الاستقلال بهجرة الإطارات والأطباء وتدمير شامل لمختلف الهياكل والمستشفيات الطبية ليقدر عدد الأطباء، آنذاك، بحوالي 1301 طبيب، مقسمين إلى 966 طبيب يعملون في القطاع الصحي العام و335 طبيب تابعين للقطاع الخاص، إضافة إلى 264 صيدلي وحوالي 151 طبيب أسنان.
وأدى هذا النقص المسجل في الطاقات البشرية في مختلف الهياكل الصحية إلى انتشار وتفشي للأمراض والأوبئة، الناتجة عن الفقر وسوء التغذية.
ويعد ملف تسيير المستشفيات والهياكل الصحية المشكل الأكبر الذي تعاني منه الصحة، وهو ما حال دون تقديم خدمات صحية ترقى لتطلعات المرضى والمواطنين وتتسبب في عرقلة بلوغ الأهداف المسطرة.
بالرغم من توفر الإرادة السياسية لإصلاح القطاع الصحي وتطوير العلاج، ولكن ينقص التنظيم والتسيير الحسن وتفعيل مخططات خاصة بالأمراض المستعصية والمزمنة.
نجحت الجزائر في التصدي ومكافحة جائحة كورونا التي مست جميع دول العالم وخلفت العديد من الضحايا والمضاعفات الخطيرة لدى الكثير من المصابين من خلال اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة وقرارات هامة من قبل السلطات العليا، خاصة ما تعلق بغلق الحدود البرية والجوية والبحرية، والتي كانت في صالح المواطن.
وساهمت في تجنب دخول مزيد من الحالات والسيطرة على الوضعية الوبائية.
مكافحة أخطر الأمراض
في هذا الإطار، أوضح رئيس مصلحة أمراض القلب والشرايين البروفيسور جمال الدين نيبوش، أن قطاع الصحة في الجزائر مر بمراحل عديدة وواجه الكثير من التحديات، لاسيما المتعلقة بالأمراض المعدية التي تفشت بشكل كبير في الستينات وتمكنت الجزائر التغلب عليها، نذكر منها الكوليرا والتيفويد والتهاب المفاصل والحصبة.
وأشار إلى المجهودات التي بذلت في محاربة الأوبئة بأبسط الوسائل.
وأضاف أن الجزائر أحرزت تقدما هاما في مجال التغطية الصحية، ونوعية الحياة وتمكنت من القضاء تماما على الأمراض المرتبطة بالفقر والتخلف.
والآن أصبحت تعترضها تحديات جديدة مرتبطة بالتطور في مواجهة أمراض العصر المزمنة كالسكتات القلبية والكسور القلبي وداء السكري، وارتفاع الضغط الدموي وتتطلب علاجا خاصا وميزانية كبيرة تنفقها الدولة للتكفل بالمصابين.
وقال إنها أمراض جديدة ظهرت بعد عشر سنوات بعد الاستقلال، وأبرز أن الجزائر استطاعت التحكم بأخطر الأمراض والأوبئة في أصعب المراحل التي مرّت بها، وأضاف أن الاستمرار في التحكم في الأمراض المزمنة التي تعرف انتشارا واسعا، وكذا السرطان بسبب تغير النمط المعيشي وزيادة الإقبال على محلات الأكل السريع المضرة بالصحة.
واعتبر نيبوش انتشار الأكل غير الصحي بشكل واسع سببا في زيادة الإصابات بالأمراض المزمنة و السرطان، وأوضح أن داء السكري يمثل 14 بالمائة في الجزائر، ويؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب و 30 بالمائة من الإصابات بالضغط الدموي، قائلا إن التقليل من هذه الأمراض يتطلب التحكم في عوامل الخطر.
ولم ينف المختص في أمراض القلب والشرايين وجود إرادة سياسية لإصلاح الاختلالات، التي تعترض النظام الصحي في الجزائر وإيجاد حلول المشاكل المسجلة على مستوى القطاع من خلال اعتماد خطط وبرامج وقائية فعالة لمكافحة مخاطر الأمراض الجديدة، مؤكدا ان المسألة لا تخص الجزائر فقط وإنما جميع الدول حتى المتطورة تواجهها تحدّيات في التحكم في الأمراض المزمنة.
وشدد على ضرورة مساهمة المواطنين إلى جانب المسؤولين عن القطاع في مكافحة مخاطر الأمراض المنتشرة في الوقت الحالي من أجل بلوغ الأهداف المسطرة من خلال التحلي بالوعي، وتجنب العادات السيئة التي تضر بصحة وسلامة المواطن كالتدخين وقلة الحركة والتغذية غير الصحية.
وبخصوص تجربة الجزائر في مواجهة جائحة كورونا يرى أن، النتائج كانت حسنة بفضل التحكم في الوضع الوبائي، بالرغم من صعوبتها، نظرا لخصائص فيروسات كورونا المتحورة وسرعة تفشيها.
ولكن لدينا جميع الإمكانيات المادية والتقنية التي تجعلنا نتغلب على أي مرض، وأشار إلى الدور الكبير الذي قام به الأطباء الجزائريين الجدد الذين بذلوا مجهودات كبيرة للتكفل بجميع الحالات وتحليهم بالإرادة القوّية وحب العمل.