تعمل السلطات العليا في البلاد على معالجة ملف التجارة الخارجية وتحقيق توازن في أهم مؤشرات اقتصاد البلاد، من خلال ضبط الواردات وإعادة توجيهها حسب حاجة السوق، وتشجيع الاستثمار وتجسيد صناعة محلية ترفع صادرات الجزائر خارج المحروقات.
من بين المحاور الهامة في اجتماع مجلس الوزراء الأخير، ما تعلق بضبط واردات البلاد من خلال تحديد السلع والمنتجات الموجهة إلى السوق الوطنية، قصد التحكم أكثر في أحد طرفي معادلة التجارة الخارجية، وهذا بإنشاء مجلس أعلى لضبط الاستيراد.
في هذا الخصوص، أمر رئيس الجمهورية الوزير الأول: “بالتحضير لمشروع قانون يؤسس لإنشاء مجلس أعلى لضبط الاستيراد، تحت وصاية الوزير الأول، تُسند له مهام تحديد المواد والسلع والمنتوجات الموجهة للسوق الوطنية، تكون آلية عمله بطريقة تفاعلية تراعي زيادة أو نقصان المنتوج الوطني.”
في ملف التجارة الخارجية، إجراءات وتسهيلات كثيرة جُسدت وأخرى قيد التنفيذ لفائدة المتعاملين المحليين، منها قانون الاستثمار الجديد، الذي حمل إصلاحات هيكلية وتدابير عملية هامة لتحسين مناخ الأعمال بالجزائر، وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
في هذا الموضوع، قال عضو لجنة التحكيم السابق في الغرفة الدولية للتجارة الخارجية والاستثمار، الخبير الاقتصادي نبيل جمعة، في تصريح لـ “الشعب أونلاين”، إن ملف إعادة توجيه التجارة الخارجية وسد الاختلالات الموجودة يندرج ضمن الالتزامات الاقتصادية لرئيس الجمهورية ومخطط عمل الحكومة.
ترشيد أكثر للنفاقات
يمثل مجلس أعلى لضبط الاستيراد، وفق نبيل جمعة، إحدى آليات ترشيد نفقات البلاد والحفاظ على احتياطي الصرف من العملة الصعبة: ” سجلنا سابقا أرقاما خيالية في الاستيراد بلغت 60 مليار دولار سنة 2010″.
التدابير المتخذة من السلطات العمومية بالبلاد في السنتين الماضيتين سمحت بتقليص فاتورة الاستيراد إلى 32 مليار دولار (سنة 2021)، غير أن هذا الرقم، يواصل جمعة، لا يزال بحاجة إلى تخفيض بالعمل على ترشيد أكثر لنفقات البلاد، بالمقابل، المواصلة في سياسة الاستثمارات وتشجيع الصناعة المحلية في مجالات كثيرة.
وترتبط مساعي السلطات العمومي المتعلقة بملف التجارة الخارجية أساسا -وفق المصدر- بالسيادة الاقتصادية والارتقاء بالاقتصاد الوطني إلى تنافسية أكبر: ” نتذكر جيدا ما حدث سنة 2014 فور حدوث أزمة البترول، سجلنا تآكل سريع احتياط صرف العملة الصعبة..”.
حاجة وأولوية السوق
ويُفصل المصدر في الحديث عن المجلس الأعلى لضبط الواردات، بقوله إنه هيئة تراقب وتضبط أحد أطراف العملية التجارية، إذ أن قيمة الاستيراد المسجل سنويا يفرض – حسبه- خطوات مماثلة من أجل تطهير واردات البلاد وإعادة توجيهها وفق أولويات وحاجة السوق المحلية.
ويقول نبيل جمعة: ” إننا بحاجة إلى قاعدة بيانات وأرقام دقيقة تخص كل ما تحتاجه السوق المحلية من مواد وسلع.. تسمح باتخاذ القرارات المناسبة، فضلا عن تركيبة المجلس التي يجب أن تكون مشكلة من كفاءات في مجال التجارة الخارجية”.
وتوقع الخبير نبيل جمعة أن تتراجع قيمة واردات الجزائر تدريجيا في السنوات الماضي بفضل الاستثمارات الجاري: ” يتعين تراجع تكلفة الاستيراد تدريجيا إلى غاية 20 مليار دولار أي بتخفيض 11 مليار دولار مقارنة بالرقم المسجل سنة 2021″.
وعن تعليمات رئيس الجمهورية للوزير الأول بالتحضير لمشروع قانون إنشاء هذا المجلس، يوضح المصدر أن الرئيس تحدث في تصريحات سابقة عن ضرورة تجسيد استثمارات دون التبعية إلى الأسواق الخارجية، وهو ما يدخل ضمن مساعي تحقيق توازن في مؤشرات الاقتصاد.
وسجلت فاتورة الاستيراد انخفاضا ملحوظا في السنتين الماضيتين، حيث تراجعت بـ 18 بالمائة سنة 2020 لتستقر عند 34.4 مليار دولار، فيما سجل الميزان التجاري فائضا بـ 5.1 مليار دولار سنة 2021، مع تقليص فاتورة الاستيراد من 60 مليار دولار (في السنوات الماضية) إلى 32 مليار دولار سنة 2021.