عرفت الرياضة الجزائرية على مدار 60 عاما من الاستقلال أحداثا وطنية هامة ومشاركات في أكبر المنافسات العالمية وتتويجات في مختلف أنواع الرياضات وتنظيم تظاهرات دولية كانت آخرها الطبعة ال19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران.
مثلت طبعة وهران للألعاب المتوسطية (25 يونيو- 6 يوليو) واحدة من أبرز طبعات هذه الألعاب، منذ أول دورة لها في 1951، وقد بذلت الدولة الجزائرية جهودا جبارة لإنجاحها وسط ترحيب وإشادة كبيرين من الهيئات الرياضية والإعلامية الدولية.
وتم في هذا الإطار تجهيز وهران بمجموعة من المرافق والهياكل على أعلى مستوى والتي أشرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على تدشينها خلال زيارة عمل وتفقد للولاية قبيل انطلاق الألعاب، على غرار المركب الأولمبي الجديد (ميلود هدفي) الذي يضم ملعب كرة قدم وقاعة متعددة الرياضات وملعب ألعاب قوى، إضافة إلى مركز مائي يضم ثلاثة مسابح .
وكان الرئيس تبون قد أعطى إشارة افتتاح هذه الألعاب، التي شارك فيها 3.390 رياضيا من 26 دولة، وجاء حفل الافتتاح عالميا وفي حلة بهيجة عكست صورة الجزائر المشرقة وحاكت تاريخها العريق ومكانتها الحضارية الهامة في الضفة المتوسطية عبر عرض فني متكامل استعملت فيه أحدث التكنولوجيات.
وقد نوه رئيس اللجنة الدولية للألعاب المتوسطية دافيد تيزانو بالمجهودات التي بذلتها الجزائر من أجل إنجاح هذه الطبعة التي تنظم بعد 47 عاما من الدورة الأولى التي نظمتها الجزائر في 1975 بالعاصمة.
انطلق مشروع النهوض بالرياضة الجزائرية منذ الاستقلال، وفي عام 1968 تأهلت الجزائر لأول مرة في تاريخها لكأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، غير أن الانطلاقة الحقيقية كانت في السبعينيات من خلال “الإصلاح الرياضي” الذي أقره الرئيس الراحل هواري بومدين في 1977 والذي أعطى دفعة قوية للرياضيين ووضع الرياضة الوطنية على الدرب الصحيح.
بومدين والإصلاح الرياضي
وبمجيء جمال الدين حوحو على رأس وزارة الشباب والرياضة في 1977 عرف هذا القطاع إصلاحات عميقة طالت الهياكل القديمة الموجودة حينها، وقد كان من أهم الإجراءات المتخذة إدماج الرياضة في المنظومة الاقتصادية وتقسيم الجمعيات الرياضية إلى بلدية هاوية وأخرى من مستوى عالي تدعى نوادي النخبة.
وكانت الجمعيات الهاوية خزانا للرياضة الجماهيرية حيث تكفلت بها البلديات أو هياكل حكومية من مختلف القطاعات، في حين أن الجمعيات الرياضية لنوادي النخبة أشرفت عليها كبريات الشركات الوطنية كسوناطراك والشركة الوطنية للتعدين والشركة الوطنية للملاحة البحرية وشركة الحديد و الصلب.
وبما أنه لم تكن هناك حينها علاوات التوقيع على العقود فقد كان يتم إدماج الرياضيين في المؤسسة ويستفيدون من تكوين مهني مناسب من أجل الحصول على مشوار مهني وضمان المستقبل، وفي ذات السياق فرض على الجمعيات النخبوية فتح مدارس والقيام بأفضل الاستثمارات لصالح الفئات الشابة.
وعلى الرغم من النتائج المشجعة التي خرجت بها هذه الإصلاحات في الموسم الموالي إلا أن هذه السياسة تم التخلي عنها غداة أحداث أكتوبر 1988 مما أدى إلى تراجع منظومة الرياضة الوطنية.
الرياضة السيطرة..
وكانت كرة اليد وبدون منازع الرياضة المسيطرة بسبع بطولات إفريقية فازت بها التشكيلة الجزائرية (رجال) أعوام 1981 و1983 و1985 و1987 و1989 و1996 و2014، دون نسيان عشرات التتويجات لمختلف النوادي الجزائرية في رابطة الأبطال وكأس إفريقيا الفائزة بالكؤوس والكأس الإفريقية الممتازة والكأس العربية للأندية البطلة.
ومن جانبها تحصي التشكيلة الجزائرية لكرة القدم كأسين إفريقيتين للأمم، الأولى في 1990 بالجزائر بفضل جيل ذهبي من اللاعبين على غرار رابح ماجر ولخضر بلومي وصالح عصاد والثانية في 2019 بمصر بفضل جيل آخر من اللاعبين الممتازين كرياض محرز ويوسف بلايلي.
وفازت الجزائر أيضا بالكأس الآفرو-آسياوية على حساب إيران في 1991، وتأهلت لكأس العالم أربع مرات، في 1982 بإسبانيا و1986 بالمكسيك و2010 بجنوب إفريقيا و2014 بالبرازيل، كما توجت بكأس العرب في 2021.
ولم تخرج بدورها كرة القدم العسكرية عن القاعدة حيث فازت الجزائر بالذهب في الكأس العالمية العسكرية في مناسبتين، الأولى بالبرازيل في 2011 والثانية بكوريا الجنوبية في 2015.
وأما بالنسبة للأندية فقد فازت الجزائر خمس مرات بالكأس الإفريقية للأندية البطلة (تسمى حاليا رابطة أبطال إفريقيا) حيث توجت مولودية الجزائر بها في 1976 وشبيبة القبائل في 1981 و1990 ووفاق سطيف في 1988 و2014، بينما وصلت كل من مولودية وهران واتحاد الجزائر إلى النهائي في 1989 و2015 على التوالي.
فتح الطريق أمام الذهبيات
شاركت الجزائر لأول مرة في الألعاب الأولمبية في 1964 (أولمبياد طوكيو باليابان) بعد إنشاء اللجنة الأولمبية الجزائرية في 1963 وقد كان محمد لزهاري أول من مثل الجزائر في هكذا ألعاب، بينما كانت أولى الميداليات الجزائرية من البرونز حيث توج بها الملاكمان محمد زاوي ومصطفى موسى في 1984 بالألعاب الأولمبية بلوس أنجلس الأمريكية.
غير أن الفترة التي صنعت فيها الجزائر مجدها كانت ما بين 1990 و2000 وخصوصا في رياضة الملاكمة وألعاب القوى، وكان للعداءة حسيبة بولمرقة شرف منح أول ذهبية أولمبية للجزائر في سباق 1500 متر بالألعاب الأولمبية التي جرت ببرشلونة بإسبانيا في 1992.
وتوجت بولمرقة أيضا بالذهب في اثنتين من بطولات العالم لألعاب القوى، الأولى في 1991 بطوكيو والثانية في 1995 بغوتنبرغ بالسويد، بالإضافة لميداليات ذهبية أخرى في عدة دورات للألعاب المتوسطية، في نفس المسافة.
وكانت المشاركة الجزائرية في الألعاب الأولمبية لسنة 1996 بأطلنطا بالولايات المتحدة، الأوفر في حصاد الميداليات الذهبية مع تتويج نور الدين مرسلي في سباق 1500 متر والمرحوم حسين سلطاني في الملاكمة وزن الخفيف، وقد فاز هذا الأخير أيضا بالميدالية البرونزية في الألعاب الأولمبية ببرشلونة في فئة وزن الريشة.
ويمكن لمرسلي أن يفخر بحصوله على ثلاث بطولات عالمية (1991-1993-1995) وكأس العالم داخل القاعة في 1991، كما تمكن خلال مشواره من تحسين خمسة أرقام قياسية عالمية في الهواء الطلق واثنين داخل القاعة.
وفي الملاكمة دائما استطاع محمد بن قاسمية أن يفوز في 2003 بالجزائر باللقب العالمي للوزن الثقيل-الخفيف لحساب المجلس العالمي للملاكمة (دابليو-بي- بي).
وبرز الجيدو الجزائري على الساحة الدولية من خلال الميدالية الفضية التي فاز بها عمار بن يخلف في الألعاب الأولمبية في 2008 ببكين (الصين) في فئة أقل من 90 كلغ، فضلا عن برونزية صوريا حداد في بكين أيضا في فئة أقل من 52 كلغ.
ويزخر مشوار الرياضية سليمة سواكري بالعديد من الميداليات الذهبية في بطولات إفريقيا للجيدو والألعاب الإفريقية، وهي أيضا صاحبة ميدالية برونزية في بطولة العالم للأواسط والخامسة في الألعاب الأولمبية لسنة 2004 في فئة أقل من 52 كلغ.
وفي الكاراتي توجت لامية معطوب بالبرونزية في بطولة العالم للكاراتي دو بالعاصمة الإسبانية مدريد في 2018.
ويحق للجزائر أن تفخر لأنها أنجبت بطلا عالميا من طينة محمد علاق الحاصل على خمس ميداليات ذهبية خلال الألعاب شبه الأولمبية بأطلنطا الأمريكية في 1996 وسيدني الأسترالية في 2000 إضافة إلى برونزية في ألعاب أثينا في 2004.
وكانت ألعاب القوى الجزائرية عادت لتتألق مرة أخرى في الألعاب الأولمبية بتتويج بينيدا نورية مراح بذهبية 1500 متر بسيدني عام 2000، وبسيدني أيضا فاز العداء عيسى جبير سعيد قرني، المختص في مسافة 800 متر، بالبرونزية، ليتوج بعدها بذهبية بطولة العالم لألعاب القوى بباريس (فرنسا) في 2003.
وكانت آخر ذهبية أولمبية للجزائر في 2012 من نصيب العداء توفيق مخلوفي الذي توج بلندن (المملكة المتحدة) بسباق 1500 متر، ومنذ ذلك الحين لم يعزف النشيد الوطني الجزائري في الأجواء الأولمبية.