لم نعرف أحدا تمكّن من صياغة التاريخ الجزائر الثقافي، بالقوة والحصافة والحضور، كمثل ما فعل أبو القاسم سعد الله، رحمه الله، ولم نعرف أحدا احتفظ للجزائريين بتراثهم في كامل بهائه وسموّه كمثل ما فعل محمد بن شنب رحمه الله، ولم نعرف مفكّرين كبارا كمثل مالك بن نبي ومحمد أركون وحمودة بن السّاعي وامحند تازروت، رحمهم الله جميعا، أبدعوا وقدّموا البدائل، ورسموا الآفاق، رغم أنّهم جميعا، اشتغلوا تحت ضغط الآلة الاستعمارية، في زمن الفاقة والعوز، ولم يكن في حوزتهم ما يسمح لهم بالحصول على المعلومة بسهولة، مثلما هي الحال اليوم، ومع ذلك، نجد أعمالهم منيرة، ونلمس فيها استقامة المنهج، ووضوح الرّؤية، وعبقرية الطّرح، غير أنّ جهودهم كلّها، لا تحظى منّا ولو بالتفاتة اعتراف، بله عن الحذو حذوهم، والاقتداء بسيرهم ومساراتهم.
جزائريون كثيرون يقدّمون حبّات قلوبهم في صمت، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، لم يبدّلوا تبديلا، غير أنّ أفكارهم النيّرة، تبقى من حظ المجتهدين وحدهم، لأنّنا جميعا لا نهتم كثيرا بعظمة الجزائري وعلوّ شأنه، إلا إذا جاءتنا فيه شهادة اعتراف من الغرب، أو تنويه بفضله من الشّرق، هنالك نحفظ اسمه، ونكتفي بالقشور ممّا ينسب إليه في برقيات الوكالات العالمية، ثم لا نلبث أن ننسى كلّ ذلك، في انتظار اسم جديد تتكرّم به علينا وكالات الأنباء العالمية.
إنّ نجاح الأمة من نجاح أبنائها، فهم الذين يرفعون ذكرها ويعلون رايتها، وهم الذين يقفون صفّا واحدا وقت الشّدة؛ ولهذا لا ينبغي التفريط في أيّ عمل جزائري، مهما تكن قيمته، فما نراه بدايات اليوم، يمكن أن يتحول إلى منارات غدا إذا منحناه اعترافنا، وامتناننا، وترحيبنا، وقد يكون كافيا قولنا للمحسن: أحسنت، فهو حقّه..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.