لا شكّ أنّ توجيه طالب الجذع المشترك في المستوى الثانوي، إلى تخصّص لا يجد في نفسه ميلا إليه، ولا رغبة في دراسته، له تأثيره المباشر على طبيعة التلّقي، وقد يخرج الطالب آليا من التركيز على الدّراسة، ويحوّله إلى «شيء» لا يختلف عن الأثاث الذي يحيط به في القسم، ما يؤدّي في الأخير إلى انتكاسته، ووقوعه في محظورات لا يمكن توقّعها.
والحق أنّ المشرفين على التربية وضعوا آليات جيّدة لتجاوز إشكاليات التّوجيه، ولكنّنا نجد عادة، من يرغب في دراسة اللّغات الأجنبية، مثلا، فترغمه الإدارة على الخوض في الآداب والفلسفة، مع سابق العلم بأنّ «الفلسفة وتوابعها» لا تحظى بأيّ عناية في بلادنا، رغما عن أهميتها، فقد وقر في نفوس الناس جميعا أنّ دارس الفلسفة لا يختلف عمّن يحرث البحر، وأنّ طبيعة الدّراسة نفسها لا تستدعي سوى حفظ عدد من المقالات من أجل سردها يوم الامتحان؛ ولهذا يحرص معظم الطلبة على تجنّب التّخصص الذي لا يفتح أمامهم أي أفق..
ولسنا ننتقص من الفلسفة ولا من الآداب، فهذه لها مكانتها السامية في جميع الاستراتيجيات التي تخدم البلاد، غير أنّ واقع الحال، يحدّثنا عن تمييع واضح لكلّ ما هو إنساني، وتحقير لكل ما يخدم الفكر، ولنا أن نقف لحظة مع طالب في مقبل العمر، ونشاركه إحساسه حين يجد نفسه مرغما على الآداب والفلسفة، مع سابق علمه بحال الكتّاب والمفكرين، ووقوفه على التهميش الذي يعيشونه، والفراغ الذي يعالجونه، بل مع سابق علمه بأنّ المجتمع برمّته، لا يعبّر عن احتقاره للكلام الذي لا يقبله سوى بالقالب الشهير: (بركى ما تتفلسف)..
على كل حال، مهما تكن المعايير المعتمدة في التّوجيه، فإنّها لا تكون مجدية إذا كانت مضادة لطموح الطالب، وهذه مشكلة عويصة ينبغي الحرص على تجاوزها..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.