بعد نحو 5 أشهر من اندلاع الأزمة الأوكرانية، تواصل أوروبا استخدام سيف العقوبات ضدّ روسيا رغم اندثار تأثيره.
فوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قرّروا المضي في تشديد العقوبات على روسيا، وفرض الحزمة السابعة منها التي تستهدف هذه المرة حظر مشتريات الذهب، ووضع شخصيات روسية إضافية على اللائحة السوداء للاتحاد الأوروبي.
ومع تمسّك الغرب بإستراتيجية العقوبات، تتزايد التساؤلات عن جدواها بالنظر إلى أنّ نيران الحرب الأوكرانية ما زالت مستعرة منذ فيفري الماضي، وروسيا لا تبدو مطلقا متأثّرة بها على الأقل بالشكل الذي يريده المراهنون عليها في أوروبا وأمريكا، فلماذا فشل سلاح العقوبات في إضعاف موسكو، ولماذا ارتدّت ضرباته على أوروبا وعلى العالم أجمع؟
لقد شهد العالم أجمع كيف كانت الاستجابة الاقتصادية العالمية للحرب الروسية هائلة وسريعة، حيث استلّت أوروبا وأمريكا في غضون خمسة أيام سلاح العقوبات، فتمّت مصادرة أصول أشهر رجال الأعمال في روسيا، وإقصاء المؤسسات المالية في البلاد من نظام الخدمات المصرفية الدولي «سويفت»، واستهدف صندوق الثروة السيادي، وقطاع الطيران والطاقة، وحتى المنصات الإخبارية الروسية لم تسلم من العقوبات، وعلى وجه الخصوص وكالة أنباء سبوتنيك وقنوات روسيا اليوم.
في الواقع لقد كانت المعركة الاقتصادية ضدّ روسيا حامية الوطيس، وانضمّت إليها الكثير من الدول بدفع من أمريكا التي وجدتها فرصة ليس فقط لردع بوتين عن تدخله العسكري في أوكرانيا، بل لضرب خزائن بلاده وتدمير اقتصاده وجعل شعبه ينتفض ضدّه، لكن يبدو بأنّ السحر انقلب على الساحر، فبعد مرور خمسة أشهر على اندلاع الحرب، تيقّن الجميع بأنّ العقوبات لم تكن فعالة بالقدر الذي روّج لها، بل إنها أضرّت بمن أصدرها أكثر من روسيا التي عرفت كيف تتفادى تأثيراتها السلبية حتى أن الكثير من الخبراء يجزمون بأنّ موسكو لم تخسر الكثير، بل حقّقت مكاسب مالية ضخمة بفضل ارتفاع أسعار الطاقة، حيث وجدت أسواقا في الدول المحايدة ساعدتها على تجاوز الحظر الذي بات عبئا على أوروبا التي ترتعد فرائسها هذه الأيام خشية ما ينتظرها إن لم تعد موسكو فتح خط أنابيب (نورد ستريم 1) الذي أغلقته من أجل الصيانة، والذي ينقل سنويا 55 مليار متر مكعب من الغاز من روسيا إلى ألمانيا.
لقد تيقّن مع مرور الوقت بأنّ إستراتيجية العقوبات الغربية فشلت، فالاقتصاد الروسي لم ينهر وبوتين ما زال في أوجّ قوته، وعلى العكس، يبدو بأن هذه العقوبات تؤثّر كثيرا على من أقرّها، ونحن نرى كيف تداعت الحكومة البريطانية وسقطت بضربة قاضية، وقد تتبعها حكومات أوروبية أخرى نراها تعاني وضعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا، كما خلقت هذه العقوبات أزمة غذاء عالمية غير مسبوقة حتى باتت المجاعة تهدّد الملايين.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.