لقاء رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، برئيس مجلس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، من شأنه أن يعيد إلى الأذهان شريط التاريخ إلى سكّة السياسة وعلاقة الجزائر مع إيطاليا الخاصة جدا..
من زمن الطيب بولحروف وأنريكو ماتيي إلى الرئيس تبون ودراغي، كانت علاقة الجزائر بإيطاليا تتحسّن على الدوام، ولم يسجل التاريخ أزمة بين البلدين، لا صغيرة ولا كبيرة، بل بالعكس تضامن وقت الشدة، عبّرت عنه روما في تسعينيات القرن الماضي للجزائر لما كانت وحيدة تقاوم الإرهاب، وهو ما لم يفهمه كثيرون يجهلون طبيعة العلاقة، التي تتجاوز المصلحة إلى روابط، فهمها الوفد الجزائري المفاوض في إيفيان، وعمل على تنفيذها إيطاليون كثر آمنوا باستقلال الجزائر، على رأسهم من أسس شركة المحروقات الإيطالية الشهيرة «إيني»، أنريكو ماتيي، الذي جنّد سياسيين إيطاليين ونقابيين وصحفيين لنصرة القضية الجزائرية..
في سنوات 1958 و1960 و1961 كانت الجزائر أشهر اسم في إيطاليا، وعلى كل لسان، بفضل واحد من بين أكبر المدافعين المتحمّسين لاستقلال الجزائر، الذي مات قبل أن يرى حلمه في استقلال الجزائر يتجسّد، وهو ماتيي.
قبل عقدين ونصف العقد، كنت أتساءل عن سبب وقوف إيطاليا إلى جانب الجزائر في محنتها مع الإرهاب، ولم أكن أعلم بالخلفية التاريخية والرابط الذي نسجه مؤمنون بالحق في الحياة والاستقلال، في زمن كان فيه الاستعمار سيّد الأرض، مع وجود امبراطوريات استعمارية كثيرة.
لم أكن أعرف أنّ ماتيي، وغيره كثيرون، ساعد الحكومة الجزائرية المؤقّتة، في رسم مخططات طاقوية مستقبلية للجزائر، ولم أكن أعرف أن ماتيي لم يكتفِ بعقد اتصالات ومحادثات مباشرة وغير مباشرة مع قادة في الثورة، بل قدّم العون المادي تحضيرا لفترة ما بعد الاستقلال، وإنشاء شركة «سوناطراك».
لم أكن أعلم أنّ التاريخ متغلغل في العلاقات الجزائرية-الإيطالية بطريقة فريدة من نوعها، لا يترجمها تصريح عابر ولا زيارة في وقت من الأوقات، بل تترجمها مواقف كالتي حتّمت على الجزائر، استراتيجيا، زيادة تدفق المحروقات نحو إيطاليا، كبوّابة طاقوية نحو أوروبا، في وقت تنازلت فيه عن سوق الغاز الإسباني لصالح روسيا، التي تلاعب شرق أوروبا بغربها، بطريقة وحده عرّاب فلاديمير بوتين (ألكسندر دوغين)، من يعرف منتهاها..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.