تتجه الجزائر بخطوات ثابتة نحو عقد وتعزيز شراكات إستراتيجية في مجال الطاقة الأحفورية والشمسية على حد سواء، تماشيا والظروف المستجدة في العالم نتيجة إضطرابات خلفتها الأزمة الأوكرانية-الروسية.
الجزائر تعيد حساباتها من خلال رسم إستراتيجية مبنية على تحالفات مع دول أوربية، على رأسها إيطاليا، لتطوير قدراتها الإنتاجية من خلال استكشفات جديدة وتطوير حقول وآبار وجلب تكنولوجيا جديدة، والذهاب نحو تعزيز إمكانياتها، لاسيما المتعلقة بتصدير النفط والغاز المميع دون الإخلال بالتزاماتها السابقة.
وموازاة مع ذلك، تسعى الجزائر لاعتماد إستراتيجية جديدة في تصدير الطاقة الشمسية، نظير إمكانيات طبيعية هائلة تملكها، متمثلة في مساحة شمسية ضخمة، من خلال ضخ إستثمارات جديدة في إطار شراكات دولية في الطاقة الشمسية والطاقة الكهربائية، لترجمة رؤية الرئيس عبد المجيد تبون، التي أعلن عنها في لقائه الأخير برئيس الوزراء الإيطالي منذ يومين، وأقترح تزويد الجزائر أوروبا بهاتين الطاقتين، وهذا دون إغفال مساعي الجزائر فيما يخص تطوير الطاقات الصديقة للبيئة وتحديد الهيدروجين الأخضر بالشراكة مع ألمانيا التي تعتبر رائدة في المجال.
قال الخبير الإقتصادي عمر هارون، في تصريح لـ”الشعب”: “في الظروف الحالية التي يعيشها العالم، وفي خضم الحرب الأوكرانية الروسية وتراكم الإمدادات الروسية إلى أوروبا، خاصة على ضوء الاضطرابات الأخيرة الدولية، يبدو أن الجزائر أصبحت الملاذ الآمن للعديد من الدول الأوروبية لتزويدها بالطاقة، مستشهدا بالشراكة الجزائرية الايطالية التي تتجه في هذا المنحى، حيث تسوق الجزائر إلى ايطاليا قرابة 30 مليار متر مكعب سنويا من الغاز من خلال الأنبوب الرابط بينها وبين هذه الدولة الأوربية، وقد تضيف حوالي 6 مليار متر مكعب على شكل غاز مميع”.
وبالمناسبة أشار المختص في الإقتصاد إلى الاتفاق الأخير الذي وقع بين الجزائر وشركائها ممثلة في العملاق النفطي الجزائري “سونطراك” و”أوكسيدونتال” الأمريكية و”إيني” الايطالية، وأخيرا “توتال اينارجي” الفرنسية، في إطار تجديد الآبار الجزائرية وتجديد البنى التحتية الجزائرية الخاصة بالطاقات الأحفورية، في النفط والغاز، مبرزا أن القصد من ذلك هو زيادة من قدرات انتاج الآبار الجزائرية في حدود 1 مليار برميل نفط، ما يزيد كفاءة هذه الآبار في حدود 55 بالمائة من خلال حفر 100 بئر جديدة، وتجديد 46 بئرا وإعداد دراسات بركانية لتخفيض البصمة الكربونية.
شراكة في الهدروجين الأخضر
من جانب آخر، تحدث الأكاديمي عن شراكة من نوع آخر تربط سونطراك بـ”إيني” الايطالية في الهدروجين الأخضر، حيث أن نجاح هذه الشراكة سيمكن الجز٦اىر من تصدير كميات مهولة من الطاقة الكهربائية إلى أوروبا، مذكرا بالتوجه نحو ربط الجزائر بايطاليا مباشرة من خلال كابل بحري، هدفه الأساسي تصدير أو نقل الكهرباء من الجزائر إلى إيطاليا على مسافة 270 كلم، في محاولة لنقل ما يربو عن 200 ميغاواط سنويا، إلى جانب الإستثمار في الطاقة الشمسية بالجزائر وتحويلها إلى طاقة قابلة للتصدير أيضا.
ونوّه الاقتصادي ذاته، بالإنتاج الجزائري من الكهرباء الذي أكد أنه “مرتفع جدا”، أو مرتفع أكثر عن الإستهلاك، ما يمكن الجزائر من تصدير هذا الفائض من كميات معتبرة، إلى الخارج، علما أننا نصدر حاليا قرابة 500 ميغاواط ساعي إلى تونس الشقيقة.
وعاد المتحدث للحديث عن تحالف استراتيجي بين الجزائر وإيطاليا في مجال الطاقة نظرا الظروف العالمية المستجدة، مع انخفاض الإمدادات الروسية إلى أوروبا، التي تعاني من تراجع احتياطاتها الغازية، فعلي سبيل المثال لا الحصر تراجعت الاحتياطات الغازية لألمانيا بـ66 بالمائة، ومنه المانيا غير قادرة على الإيفاء بإلتزاماتها لمواطنيها، حيث يتوقع ان ترتفع تكلفة فاتورة الغاز والكهرباء من 1500 أورو سنويا إلى أكثر من 4000 أورو سنويا وهذا يدل على حاجة أوروبا للطاقة.
ويتوقع المتحدث أن تعرف المرحلة القادمة انجاز أو ربط الغاز النيجيري بنيجيريا مروروا بالجزائر، ووصولا الى أوروبا، ما يمنح القارة العجوز جرعة غاز جديدة. سيكون نقل الغاز النيجيري هو البديل عن تراجع إمدادات روسيا، لأن هناك مشروع روسي لتوجيه حوالي 30 الى 40 مليار متر مكعب من الغاز الى الصين، وهو سوق يحتاج حجما كبيرا من الطاقة، ومنه سيكون هناك فراغ حيث يمكن سده من خلال رفع حجم الإنتاج والتصدير الجزائري، خاصة وأن الجزائر الآن تصدر من منفذين أساسيين، أولمها عبر إسبانيا في حدود 9 مليار متر مكعب، وعبر إيطاليا في حدود 30 مليار متر مكعب، يعني أن صادراتها الإجمالية في حدود 40 مليار متر مكعب.
وفي السياق، قال هارون إنه ومن خلال الإكتشافات الجديدة وما يمكن تصديره في شكل غاز مميع، ستكون الجزائر في المستقبل القريب قادرة على إمداد أوروبا بحجم كبير من الغاز في الظروف المعاشة اليوم وإحتمال إطالة الأزمة الروسية-الأوكرانية أكثر مما كان متوقعا.
أما عن اقتراح الرئيس المتعلق بتزويد أوروبا بالطاقة الشمسية والكهربائية، يرى الإقتصادي، أنها إستثمارات في مجال الطاقة الشمسية ومشاريع مزدوجة في المجال، واصفا إياها بـ”الضخمة”، خاصة وأن العديد من الدول الأوروبية أبدت إستعدادها للإستثمار في هذا المجال، على غرار ألمانيا وحتى إيطاليا من خلال شركتها “إيني”، مؤكدا أن المطلوب الآن هو نقل التكنولوجيا من الدول الأوروبية والمتقدمة الى الجزائر، هذه الأخيرة التي تملك أكثر المناطق شمسا في العالم، على خلفية أن نسبة التشميس قد تصل 99 بالمائة، وهذا أمر مهم جدا في الطاقة الشمسية.
وأوضح هارون أن دعوة الرئيس تبون هي في الأساس فتح باب الإستثمار في مجال الطاقة الشمسية، نظرا لأن الجزائر في حاجة إلى تكنولوجيا جديدة، من أجل تطوير إمكانياتها وقدراتها.