تراجع كبير تشهده كرة اليد الجزائرية في الفترة الحالية، والدليل واضح في معاناة الفريق الوطني رجال خلال المباريات التي لعبها، والصعوبات التي وجدها من أجل تحقيق الفوز، حتى وإن كان المنافس لا يملك تقليدا في هذا الاختصاص، وكل ذلك راجع إلى جملة المشاكل التي طالت الصغيرة الجزائرية في السنوات الأخيرة، خاصة منذ بداية الجائحة الصحية التي زادت من تعقيد الأمور يوما بعد الآخر، إلى غاية اليوم بسبب توقف الدوري المحلي، الأمر الذي جعلنا نقف في عدد اليوم من «الشعب ويكاند» على الواقع المر الذي تمر به الرياضة الجماعية الثانية من ناحية الشعبية في الجزائر والأولى من ناحية النتائج.
واقع يبعث على القلق ويطرح عديد التساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع الكبير، ومن دون شك يبقى الابتعاد عن المنافسة أهم النقاط التي أثرت سلبا، حيث توقف الفريق الوطني لكرة اليد عن النشاط منذ مارس 2021، عندما شارك في آخر دورة دولية مؤهلة للألعاب الأولمبية بطوكيو، والتي كانت بألمانيا حيث انهزم الخضر في كل اللقاءات لأنهم تنقلوا من دون تحضيرات، نظرا لتفشي وباء كورونا الذي أدى إلى غلق المجالين البري والجوي للتحكم في الأمور الصحية للبلاد، والأكثر من ذلك فإن التعداد وبالرغم من توقف البطولة الوطنية، إلا أن الفريق لم يدخل في تربص مغلق بالجزائر بالرغم من إعطاء الضوء الأخضر للنخبة المعنية بالمواعيد الدولية بالعمل وفق إجراءات البروتوكول الصحي.
عودة الأزمة…
فشل المنتخب الوطني في التأهل إلى أولمبياد طوكيو 2021، لكن استفاد من لعب لقاءات كبيرة وقوية أبان خلالها اللاعبون عن إمكانياتهم، حيث كان مزيجا بين خبرة الكوادر وطموح الشباب الصاعد، وفي وقت كان الجميع ينتظر استمرارية العمل توقف كل شيء بسبب المشاكل التي عاشتها الاتحادية ومازالت إلى يومنا هذا، حيث لم يلتق اللاعبون لمدة سنة كاملة اي إلى غاية 12 مارس 2022 بعدما تم تعيين الدولي الجزائري السابق رابح غربي على رأس العارضة الفنية للخضر، هذا الأخير كانت مهمته تتوقف أساسا في إعادة بعث نشاط المنتخب قبل أسابيع قليلة فقط عن الحدث المتوسطي الذي احتضنته الباهية وهران من 25 جوان إلى 6 جويلية 2022، وقام بإبعاد الإعلام عن بيت الفريق، حيث اكتفى بالعمل في سرية كبيرة وبرمج اول معسكر بالجزائر بمشاركة اللاعبين المحليين والناشطين في الخارج من 12 إلى 20 مارس هذه الفترة تتزامن مع التواريخ الدولية.
اما التربص الثاني كان في أفريل، والذي تزامن مع الشهر الفضيل حيث تنقل الفريق إلى مصر ولعب لقاءين وديين ضد الفراعنة، انهزم خلالها زملاء القائد بركوس بفارق كبير الأمر الذي جعل المتتبعين وحتى الجمهور يقفون على التراجع الكبير في المستوى، خاصة أن المدرب قام باستدعاء أسماء شابة لا تملك الخبرة الكافية لتسيير لقاءات حاسمة، الا ان المقربين من بيت المنتخب أكدوا انها مجرد تحضيرات وسيتم تدارك الأخطاء وتصحيحها قبل المواعيد الرسمية، الأمر الذي عمد إليه الطاقم الفني خلال معسكر إيطاليا شهر جوان الماضي، وبالفعل سجلنا عودة ملحوظة من خلال النتائج بلعب لقاءين ضد المنتخب الإيطالي قبل الالتحاق بوهران والضبط مدينة ارزيو، بدأت المنافسة خلال العاب البحر المتوسط، حقق الخضر اول انتصار ضد تركيا بنتيجة 32 مقابل 27، ما جعل الجمهور يسترجع أنفاسه ويؤمن بعودة الفريق للواجهة.
مستوى متباين في الموعد المتوسّطي بوهران
واصل رفقاء المتألق خليفة غضبان في نفس المستوى، حيث فرضوا التعادل على مقدونيا الشمالية في آخر لحظة بنتيجة 24 مقابل 24 في لقاء كان متكافئا، ووقف خلاله اللاعبون الند للند مع المنافس الذي يملك تقليدا في الكرة الصغيرة، وأكد اللاعبون انهم عازمون على العودة من خلال الفوز على اليونان في ثالث لقاء بفارق كبير 35 مقابل 25، ما جعل الخضر يقتربون من الدور نصف النهائي الا ان الامور سارت عكس ذلك ضد اسبانياو حيث سقط الفريق بنتيجة كبيرة أثارت استياء الجمهورو الذي كان حاضرا في المدرجات بـ 31 مقابل 19 مع مستوى بعيد عن المألوف، يوضح جدية الانشقاقات التي كانت داخل المجموعة لأننا لم نلمس روحا جماعية ليختم الفريق المنافسة بهزيمة ضد تونس نتيجة 39 مقابل 35 في ظل الإصابات العديدة التي طالت عدد من اللاعبين في صورة عبدي أيوب، الذي انتهى مشواره للموسم الحالي، بركوس هو الآخر أصيب رفقة الحارس خليفة غضبان، ليشد بعدها مباشرة التعداد الرحال نحو العاصمة المصرية القاهرة للمشاركة في الطبعة 25 للبطولة الأفريقية التي كانت من 11 إلى 18 جويلية 2022.
هزيمة غينيا ضربة قويّة…
آمال كبيرة وتطلعات نحو تحقيق نتيجة إيجابية، خاصة أن المنافس في أول لقاء لا يملك خبرة بالمقارنة مع الجزائر بما ان غينيا تشارك للمرة الثالثة في تاريخها ضمن البطولة الأفريقية، الا أن المفاجأة كانت كبيرة وغير متوقعة من كل المتتبعين داخل وخارج الوطن، حيث انهزم الخضر بنتيجة 28 مقابل 22 اي بفارق طرح عديد التساؤلات، وأكد في نفس الوقت مرحلة الفراغ والتراجع الكبير لكرة اليد الجزائرية في الفترة الأخيرة، ولحسن الحظ تم التدارك ضد الغابون بصعوبة كبيرة، وانهوا المباراة بنتيجة 25 مقابل 23، ليتلقى بعدها زملاء بركوس الذي شارك رغم الإصابة ثاني أكبر هزيمة في تاريخها كرة اليد الجزائرية ضد مصر بنتيجة 34 مقابل 19، اي بفارق 15 هدفا، وتبقى أثقل نتيجة ضد تونس في نصف نهائي بطولة أفريقيا سنة 2008 بفارق 16 إصابة 41 مقابل 25.
هزيمة أنهت حظوظ الخضر في الطموح للحفاظ على نتيجة الطبعة الماضية بتونس عندما احتلوا المركز الثالث، حيث بقي الهدف الوحيد في السعي لكسب ورقة التأهل لمونديال 2023 بكل من بولندا والسويد، ولهذا قدم اللاعبون بقيادة المخضرم بركوس كل ما لديهم ضد الكونغو الديمقراطية، حيث احتكم الطرفان لركلات الجزاء وانتهت لصالح الجزائر بنتيجة 40 مقابل 39 بعد تألق الحارس غضبان الذي تصدى لضربتين، ليكون المنافس الأخير غينيا، حيث ثأر اللاعبون وحققوا الفوز بنتيجة 27 مقابل 26 ليحجزوا بذلك مقعدا ضمن بطولة العالم في المجموعة الخامسة رفقة كل من ألمانيا، قطر وصربيا في الدور الرئيسيو وستكون اول مواجهة يوم 13 جانفي 2023 ضد صربيا، وفي 15 من ذات الشهر مع قطر على أن يختتم ضد المانيا يوم 17 جانفي.
تاريخ كرة اليد الجزائرية ثري
للإشارة، فإن كرة اليد الرياضة الجماعية التي تعتبر الثانية من حيث الشعبية بالجزائر بعد كرة القدم، والأولى من ناحية النتائج بـ 7 تتويجات قارية سنوات 1981، 1983، 1985، 1987، 1989، 1996 وآخرها كان سنة 2014، بترسانة من اللاعبين الذين رفعوا التحدي وعزموا على إعادة الجزائر للتربُّع على العرش الأفريقي بعد غياب دام 18 سنة، يتقدمهم كل من الحارس سلاحجي، بركوس، شهبور رياض، بودرالي، لعبان، بولطيف، زعموم وآخرون كتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في قاعة حرشة حسان بالعاصمة التي تبقى شاهدة على ملحمة حقيقية.
وبالرغم من التتويج المحقق سنة 2014، والمستوى الذي بلغته الكرة الصغيرة الجزائرية بعد طول غياب عن منصات التتويج القارية، وبعدما كان من المنتظر أن يتبعه اهتمام أكبر بهذه الرياضة لكي تبقى في نفس الرواق، من أجل مواصلة التألق وحصد النتائج الإيجابية لكن الميدان كان له كلام آخر، حيث ظهر المنتخب الوطني بأسوأ مستوى له خلال مونديال قطر في جانفي 2015 بسبب عدم التحضير الجيد لهذا الموعد الكبير، ما جعله يخسر كل المباريات في تلك الطبعة في سابقة لم يتمكن حتى الإطاحة بالمنتخب السعودي، ما أكد أن كرة اليد الجزائرية مريضة ويجب أن تكون حلول عميقة.
تواصلت الأزمة ما أدى بالمنتخب الوطني بالتراجع إلى المركز الرابع والسادس على الصعيد القاري سنتي 2016 و2018، وهذه النتيجة جعلت الجزائر تغيب عن بطولة العالم التي جرت بكل من فرنسا 2017، وألمانيا والدانمارك 2019، بالرغم من وجود أسماء كبيرة ولديها الإمكانيات التي تسمح لها بقديم الأفضل في تلك الفترة بإشراف المدرب سفيان حيواني الذي حاول توظيف خبرته لتحقيق الأفضل، لكن بسبب غياب التحضير الكافي ككل مرة أدى إلى ظهور المنتخب بمستوى ضعيف لم يعتد عليه الجمهور المُحب للكرة الصغيرة بالجزائر.
ضرورة إيجاد الحلول لتفادي الكارثة
تراجع مستوى الخضر أدى إلى دق ناقوس الخطر من طرف المعنيين بالأمر من أجل الإسراع في إيجاد الحلول المناسبة، لإعادة الأمور إلى الطريق الصحيح قبل إفلاتها وضياع جيل ذهبي، ما جعل الاتحادية برئاسة حبيب لعبان إلى السعي للتعاقد مع المدرب سعد حسن، لكن بسبب عدم تفاهم الطرفين على الجانب المالي لم يلتحق البوسني بالعارضة بالرغم من لقائه باللاعبين في التربص الذي كان في تونس، وبقيت الأمور تسير نحو المجهول إلى غاية التعاقد مع الفرنسي ألان بورت، الذي وعد بإعادة الجزائر للمشاركة في بطولة العالم مع تحسين الترتيب أفريقيا.
الانطلاقة الحقيقية كانت من خلال بطولة أفريقيا في جانفي 2020 التي جرت بتونس حيث تنقل المنتخب بنية العودة إلى منصة التتويج، بالرغم من أنه لم يقم بتحضير خاص لهذا الموعد مثلما جرت عليه العادة، لكن بما أن اللاعبين كانوا ينشطون في أنديتهم سواء في البطولة الوطنية أو في الخارج ساعد الطاقم في تحضير التشكيلة وربح الكثير من الوقت، بالفعل تمكّنت المجموعة بقيادة أفضل هداف في تاريخ كرة اليد الجزائرية مسعود بركوس من العودة إحتلال المركز الثالث، والتأهل لبطولة العالم بمصر 2021.
بركوس: ضرورة تحسين الوضع للعودة إلى المستوى الحقيقي
طالب قائد المنتخب الوطني وأفضل هدّاف في تاريخه مسعود بركوس، المسيرين والقائمين على رياضة كرة اليد في الجزائر بضرورة إيجاد الحلول اللازمة، وتوفير الظروف التي تساعدهم في العمل لاسترجاع مكانتهم ومستواهم الحقيقي في مختلف المواعيد القادمة، وكان ذلك مباشرة بعد عودة الفريق للجزائر في قوله «النقطة الإيجابية الوحيدة من المشاركة في الطبعة 25 للبطولة الأفريقية لكرة اليد تحقيق التأهل للطبعة 28 لنهائيات كأس العالم ببولندا والسويد 2023، لكننا لسنا راضون بالمركز الخامس لأن هدفنا كان يكمن في البقاء ضمن المراكز الثلاثة الأولى، الا أن ذلك كان صعبا لكننا قدمنا كل ما علينا لإنقاذ ما يمكن انقاذه حتى لا نتراجع أكثر مما هو عليه الحال، ومن خلال ضمان مشاركة في المونديال سيعطينا امل لتحسين الأمور مستقبلا».
واصل نجم المنتخب قائلا في ذات السياق «هناك عديد المشاكل في محيط كرة اليد الجزائرية، ويجب أن تكون حلول من طرف المسؤوليين وفي أقرب وقت، لأننا تأثرنا بها كثيرا، إضافة للإصابات والغيابات واتمنى ان تكون مراجعة خاصة من بعض الأشخاص المسيرين في ساحة كرة اليد، لأن التأهل للمونديال كان من تضحيات وإنجاز اللاعبين والطاقم الفني، وهناك عديد الأمور من المؤسف أننا نعيشها والحديث فقط لا يكفي بل يجب أن تكون هبة فعلية لتصحيح الأمور للعودة للواجهة، وإعادة بعث كرة اليد الجزائرية التي عاشت وضعا صعبا مثلما سبق لي القول، لأن بطولة العالم تفصلنا عنها أشهر قليلة، واتمنى ان يكون كل اللاعبين المصابين قد عادوا للمنافسة، وكذا اتمنى ان الإصابة التي تعرضت لها لن تكون خطيرة، وسأعالج لكي أعود بسرعة، لأن التواريخ الدولية ليست كثيرة هناك اثنان فقط في نوفمبر وديسمبر فقط، وسنتعاون لإعادة بناء فريق قوي بحول اللّه».