من المشاكل العويصة التي نعيشها في يومياتنا، مشكلة الأسماء، فقد تعوّدنا على تسمية الأشياء بغير أسمائها، تماما مثلما تعوّدنا على التهاون في التسميات من أجل استعمال أرقام جافة لا معنى لها، أو أوصاف سطحية تحدّد السمات الغالبة، وصارت هذه عادتنا الأصيلة، حتى تراكمت بين أيدينا أسماء كثيرة لا تعبّر حقيقة عن العمق التاريخي والفكري والثقافي الذي تعتزّ به بلادنا، وصرنا نجد “حي خمسين مسكنا” و”مدرج 5″، وطريق “البيطون” أو طريق “الكاليتوس”، وليت توقفت مشكلتنا مع الأسماء عند حدود الأماكن، فقد امتدت إلى المعاملات اليومية بين الناس، فصار الكاتب الناشئ أديبا ألمعيا، وحافظ شيء من قصيدة، مفكّرا لوذعيا، و(البهلول المنقّح) مؤثرا، وصارت هذه الأسماء تشتغل في أعماقنا، وتوجّه تفكيرنا إلى ما هو سطحي مبتذل، عوض أن تكون لها رسالة تخدم المسار العام للأمة..
ولسنا ننكر أن أماكن كثيرة حظيت بتسميات تعبّر عن الأصالة الجزائرية، أو تحتفظ لنا بتاريخنا المجيد، تماما مثلما لا ننكر أن في أعلامنا من يحظون بأسماء مرموقة توافق جهودهم المنيرة في بناء الوطن.
غير أن انتشار تسميات غير موضوعية للأماكن والأشخاص، يبقى لازمة في طبيعة تفكيرنا ويمثّل مشكلة عويصة، خاصة مع تجاهل الأعلام الحقيقيين من علماء ومفكرين وباحثين وشعراء وروائيين، في مقابل التركيز على نوع من التهريج ينسب إلى التفكير، ولون من البهلوانيات يدعى تحليلا استراتيجيا، وأيّ كلام يُعامل على أنّه الشعر، وشيء من الخواطر يدعى روايات، وكثير من هذا، يؤثر تأثيرا مباشرا على طبيعة التلقّي..
قد لا يبدو الأمر مهمّا للغاية، ولكن الوعي ينبغي أن ينتبه إلى ضرورة التّخلص من (كلوزيل) و(إيزلي) و(ريشبان)، تماما مثلما ينبغي أن يكون اسم “المفكر” و”المحلل” و”الرّوائي” معبّرا حقيقيا عن القيمة الثقافية، وليس مجرّد مجاملة تلقى هنا وهناك..