بثّت ستينية الاستقلال الوطني المجيد، حركية غير مسبوقة في المشهد الثقافي الجزائري، وتحوّلت إلى مرتكز حقيقي لأعمال كثيرة جادّة، حتى أن النقاشات الثقافية التي تعوّدت على الدّعة والسّكون، تشهد دينامية عجيبة في عزّ الصّيف، ولم تتمكن من صدّها حرارة ولا رطوبة، ولا ما يحيط بها من أجواء العطلة.
ونعتقد أن الحمولة الرمزية لاحتفالية ستينية الاستقلال، بداية من الاستعراض العسكري المذهل لجيشنا الوطني الشّعبي، إلى الاحتفاليات الكبيرة عبر مختلف أنحاء الوطن، كان لها دورها الفاعل في الحركية الثقافية، التي لا نشكّ مطلقا بأن تأثيرها سيكون له مردوده الواضح على جميع القطاعات الأخرى؛ ذلك أن رمزية الاستقلال بما هو تتويج لكفاح أجيال من الجزائريين ضد الطغمة الاستعمارية الأقسى في التاريخ، إنّما هي الأساس الفعلي الذي يكفل صناعة المستقبل وفق رؤية جزائرية قويمة، تحفظ أمانة الشّهداء..
إن الفعل الثقافي بكلّ تجليّاته، هو المحرّك الحقيقي لكلّ ما تصبو إليه الأمة، ولهذا ينبغي الحرص عليه، وتشجيعه، ومنحه جميع الأدوات التي تضمن له أداء وظائفه باحترافية، ويقدّم ثمراته لجميع القطاعات الحيوية بالبلاد، بل يحيي فيها جذوة تقديم الأفضل، ويدفع بها إلى مستويات عليا من الرقيّ والتطوّر.
ونعتقد أن ستينية الاستقلال منحتنا السانحة التي يمكنها أن تتواصل إلى تحقق غاياتها، وهي سانحة لا تتكرّر كلّ مرة، ما يعني أننا ينبغي أن نعرف كيف نستغل رمزية الحدث العظيم في منح الساحة دينامية لا تنضب، وحركية لا تتوقف إلى أن يتحوّل الفعل الثقافي مجملا، وفعل القراءة خاصة، إلى سلوك يومي متجذر في واقعنا، راسخ في معاملاتنا، وهنالك يمكن لنا أن نتحدث عن بنية ثقافية مكتملة، تتأسس على رموز تاريخنا المجيد، وتصنع مستقبلنا الأفضل.