تحضّر الحكومة حاليا لمنظومة قانونية وهيئة تشريعية قوية تخصّ مجال الاستثمار في الجزائر، عن طريق القانون المنتظر إصداره قريبا، يكون مرفوقا بالنصوص التنظيمية الثمانية، أبرزها مشروع مرسوم يتضمن تشكيل الهيئة العليا للطعون، مرسوم تنفيذي يعدل المجلس الوطني للاستثمار وتشكيله وتسييره، النص التنظيمي الذي يحدد سير الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار.
تأتي هذه التحضيرات، لتكون إيذانا بفتح أبواب الاستثمار للشركاء المحليين والأجانب لتحسين المناخ وتنويع الاقتصاد الوطني، والنجاح في أكبر تحد يواجه عالم اليوم وهو تحقيق الأمن الغذائي، وإعطاء ديناميكية جديدة لصناعة الثروة ومناصب شغل وتنمية كل المناطق حتى تكون سنة 2022 سنة اقتصادية بامتياز.
وتتواصل بالأمانة العامة للحكومة، ورشة إعداد النصوص التطبيقية في إطار مشروع القانون المتعلق بالاستثمار، بعد تلك التي عرضها وزير الصناعة أحمد زغدار، في الأيام الماضية، على مجلس الحكومة، حيث ناقشت في اجتماعها المنعقد بتاريخ 7 جويلية 2022، كيفيات عمل اللجنة العليا الوطنية للطعون المتعلقة بالاستثمار، وكيفيات تسجيل الاستثمارات، التنازل وتحويل الاستثمارات.
وهي التدابير الجديدة الواردة في قانون الاستثمار. وبتضمن مشروع قانون الاستثمار المصادق عليه بالبرلمان بغرفتيه، ثمانية نصوص تطبيقية، من خلال أحكام 16 مادة تحيل تطبيقها عن طريق التنظيم، منها سبعة جديدة وواحد تعديلي، حيث ستسمح هذه النصوص لكل المؤسسات، منها تلك التي تنشط في صناعة السيارات للانطلاق في التصنيع، أو حتى في الاستثمارات المهيكلة التي تحتاجها الجزائر، إضافة إلى الاستثمار في المجال المنجمي.
كما أن قانون الاستثمار المنتظر الإفراج عنه قريبا، سيكون بوابة لحماية الأمن الغذائي في الجزائر، في إطار تحقيق ازدواجية متكاملة ما بين الزراعة والصناعة، للوصول بالصناعة الغذائية، التي سوف تحمي أمننا الغذائي، خاصة في الظروف الدولية الراهنة التي طرأت بعد بداية الأزمة الروسية- الأوكرانية.
وبالعودة إلى المزايا التي جاء بها مشروع قانون الاستثمار، المتمثلة خاصة في الاستقرار التشريعي والتحفيزات الجديدة والضمانات التي أعطيت للمستثمرين المحليين والأجانب، فإن النص القانوني بعد صدوره، سيجعل من الجزائر قبلة للاستثمارات، في وقت تبحث أكبر الشركات العالمية وأكبر صناديق الاستثمار عن فرصة للاستثمار، في ظل وجود تنافس كبير في عدة مجالات، ما سيمكن الجزائر من صناعة الثروة واستحداث مناصب الشغل.
ومن المنتظر أن تعرف الساحة حركية جديدة، مما يسمح بتحسين مناخ الأعمال، وهو ما يتطلب مراجعة لكل القوانين، خاصة وأن الحكومة بدأت فعلا في مراجعة المنظومة التي تخصّ القرض والنقد، إضافة إلى المرور إلى إصلاحات جبائية وتعزيزات تشريعية، وإصلاح المنظومة المالية والبنكية، وكذلك مناخ الأعمال، ما يعطي تحفيزات أكثر وقابلية للمستثمر المحلي والأجنبي للاستثمار.
قرارات شجاعة.. ورفع للقيود
تأتي هذه الديناميكية موازاة مع تعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من أجل الإسراع في رفع عراقيل الاستثمار، حيث أثمرت رفع العراقيل عن 915 مشروع استثماري، فيما تحصّل أكثر من 816 مشروع على التراخيص التي دخلت فعلا النشاط، مما سمح بخلق أكثر من 34 ألف منصب شغل.
وحتى قبل صدوره، فإن قانون الاستثمار بات مطلبا للمستثمرين الأجانب، وهو ما سجله رئيس الجمهورية خلال زياراته إلى مختلف الدول الشقيقة والصديقة خلال الأيام الماضية، في ظل المزايا والتحفيزات التي جاء بها النص التشريعي والمنظومة الجديدة والمنصة الرقمية التي ستسمح بالمعالجة الآنية لكل الملفات ومراقبة المستثمر، وفق تصريحات سابقة لوزير الصناعة.
بالمقابل، لن تكون الجزائر أبدا، بحسب مختصين، “بازارا” مفتوحا للأجانب، حيث يفرض القانون الجديد على المستثمر واجبات، أهمها احترام المنظومة التشريعية، حتى لا تتكرر أخطاء العهد السابق، كما سترافق الوكالة الجزائرية للاستثمار كل المستثمرين المحليين والأجانب.
وتكمن أهمية القانون الجديد للاستثمار، والذي يعتبر القانون رقم 16 في الجزائر المستقلة، ويجسد الالتزام رقم 16 لرئيس الجمهورية والمتمثل في “تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار”، وكذا تطوير المجال الاقتصادي والتجاري، خاصة في الذهاب نحو الاستقرار في التشريع، مع ضرورة ضمان ديمومة هذا النص لمدة لا تقل عن 10 سنوات، لتجنب اللجوء إلى تعديل القوانين بين فترات زمنية متقاربة، التي كانت حجر عثرة في طريق الولوج إلى السوق الوطنية، خاصة من قبل الأجانب الذين لطالما اشتكوا من تغيّر القوانين بتغيّر الأشخاص وبصفة مفاجئة ما نفّرهم من اقتحام “السوق”، وهو ما أثر سلبا على مناخ الاستثمار، مع الحفاظ على قاعدة رابح ـ رابح وإضفاء البراغماتية في التعامل مع الشركاء الأجانب، فضلا عن إزالة أكبر معوق يتمثل في كبح تدخل الإدارة في معالجة الملفات ومنح التراخيص بسرعة.
وبالرغم من كل هذه التدابير والتحفيزات، يبقى الرهان اليوم على ضرورة إصلاح النظام المالي والمصرفي في الجزائر، والذي يعتبر معوقا حقيقيا أمام الفعل الاستثماري. لذلك يطالب المختصون برقمنة القطاع الاقتصادي وحل معضلة مشكلة تدفق الأنترنت، وكلها مسائل وجب مراعاتها حتى نحقق ما يصبو إليه رئيس الجمهورية، من خلال تحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي “لا يسقط بالتقادم”، يضاف لها تفعيل دور الدبلوماسية الاقتصادية للترويج للمقومات الاستثمارية واستقطاب الأجانب.