وضعت وزيرة الثقافة، الدكتورة صورية مولوجي، النّقاط على الحروف، وهي تقدّم تعريفا موضوعيا لـ»المهرجان النّاجح»، وتصفه بأنه ذلك الذي «تكون له قيمة ثقافية وفكرية وأهداف مسطّرة مسبقا»، أي أن «المهرجان» مطالبٌ بأن يكون مشروعا فكريا واضح المعالم، يتمتّع بأسس راسخة ورسالة يتحمّل واجب أدائها، وليس مجرّد نشاط واجهاتي أو كرنفال مناسباتي، ينتهي إلى النسيان مع حفل الختام، دون أن يترك أثرا يذكر.
ونعترف أنّها المرّة الأولى التي نستمع فيها إلى طرح معقول بخصوص «المهرجانات»، فهذه لم نتعوّد منها سوى على أنّها «زردات» تتزين بلافتات «الثقافة» ولا تضيف إليها شيئا ذا بال.
وظاهر أن تحديد المفهوم بالشّكل الذي اعتمدته الوزيرة، ستكون له آثاره الإيجابية على مجمل الفعل الثقافي بالبلاد، فالأمر لم يعد متعلّقا بالغلاف المالي، أو ما اشتهر عندنا بـ(الإمكانيات)، قدر تعلّقه بالأفكار المؤسسة، والرّسائل المضمّنة، والأبعاد التي ينبغي سبر أغوارها، والثمرات التي ينبغي أن تتحقّق لساحتنا الثقافية، حتى يتأسس المهرجان على بيّنة، ويكون ما يصرف عليه- إن احتاج مصاريف- مرتبطا بالصالح العام، وليس بالمصالح الضيقة الصغيرة.
ونعترف كذلك أنّها المرّة الأولى التي نتفاءل فيها بساحتنا الثقافية، فهذه لم يسبق لها أن تطرّقت إلى مفهوم أو محّصت معنى، وظلّت عاكفة على مضغ نشاطات هزيلة صنعت الإجماع في الأوساط الشعبية عموما، على أن الثقافة لا تتجاوز الغناء والرّقص؛ ولهذا نتوسّم أن قطاع الثقافة عموما سيعرف النقلة النّوعية التي يستحقها، وهو يعود إلى الأسس فيوضّحها، ويحرص على الأهداف فيحقّقها، فلا يكون مجرد سقط متاع بين القطاعات الأخرى، بل يقدّم لها ما يضيف إليها، ويدعم مساراتها إلى النّجاح..
حقّ المحسن أن يقال له أحسنت، وحق الوزيرة علينا اليوم أن نعترف لها بأنّها زيّنت أفق الثقافة بخيط نور طالما اشتاقت إليه..