ثمّن فاعلون في قطاع التربية ما جاء في تصريح رئيس الجمهورية، حول اعتماد اللغة الإنجليزية في الطور الابتدائي، انطلاقا من هذا الموسم، خاصة وأنّ القرار جاء بعد دراسة معمّقة للخبراء والمختصين، وانتهى بضرورة تدريسها لغة أساسية مثل المواد الأساسية الأخرى.
خبراء: الفرنسية غنيمة حرب.. واستعمالها دوليا لا يتجاوز 2 بالمائة ضرورة وضع آليات بيداغوجيـة تضمن نجاح الانتقال اللغوي
اعتبر مختصون في التربية،في تصريحات لـ «الشعب» قرار إدراج الانجليزية كلغة أجنبية ثانية للتدريس في المرحلة الابتدائية إلى جانب الفرنسية بالصائب والشجاع، على اعتبار أنّها اللغة أكثر استعمالا من قبل الباحثين وشباب الجامعات، لذا حان الوقت لاعتمادها كلغة أساسية، تبقى بحاجة إلى آليات بشرية وبيداغوجية لإنجاحها، خاصة وأنّ الجزائر تسجل سنويا عددا كبيرا من خريجي الجامعات المختصين في هذه المادة.
قرار صائب
قال الناشط التربوي كمال نواري، إنّ العملية سيتم تعميمها تدريجيا تبدأ بالسنة الثالثة ابتدائي لتشمل باقي السنوات، وهذا من أجل الرفع من مستوى التلاميذ في المرحلة الثانية من التعليم المتوسط، خاصة وأنّ التلميذ في المرحلة الأولى من التعليم تكون لديه قدرة فائقة على الاستيعاب، والمعلومات ترسّخ في ذهنه بسهولة.
وبخصوص اللغة الفرنسية، اعتبرها المتحدث غنيمة حرب فعلا، لكنّها ليست عالمية، حيث أنّ استعمالها دوليا لا يتجاوز 2 بالمائة، في حين أنّ كلّ البحوث وما يبحث عنه الطلبة في المواقع العالمية باللغة الانجليزية، هذا بالإضافة إلى كونها، لغة عالمية ولغة مختلف المراجع العلمية، وقدمت آليات اعتماد تدريس هذه اللغة من قبل المختصين في المجال.
ضبط برامج لغوية جديدة وفتح مسابقة وطنية لتوظيف أساتذة مختصين
واقترح كمال نواري تشكيل خلية من مختصين ومفتشين توكل لهم مهمة إعداد البرامج والمناهج لتدريسها كمرحلة أولى مستعجلة،على أن يتم تدريسها في البداية من السنة الثالثة ابتدائي فقط كمرحلة أولى، مع منحها حجما ساعيا كافيا على الأقل 3 ساعات أسبوعيا.
وتضمّن المقترح إسناد تدريسها إلى ذوي الاختصاص ولو بالتعاقد، مع فتح مسابقة توظيف أساتذة اللغة الإنجليزية، على أن تعمم على جميع المدارس الابتدائية في الجزائر ولا تقتصر على بعض الابتدائيات، بالإضافة إلى تخصيص مفتشين للمادة لمتابعة تطبيقها وأن لا تكون بديلا للغة الفرنسية، مع توفير الكتاب المدرسي ولو عن طريق الكتاب الرقمي دون اللجوء إلى النسخة الورقية.
ضوابط علمية
ثمّنت النقابة الجزائرية لعمال التربية «السات» على لسان أمينها الوطني محمد بلعمري قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بإدراج اللغة الانجليزية في الطور الابتدائي، خلال الموسم الجديد، انطلاقا من أنّها لم تعد لغة علم ومعرفة بل أصبحت لغة برمجة يتحدث بها العالم كله، وبها تُقاس كلّ العمليات المرتبطة بالبحث العلمي، وأيضا ريادة الجامعات وغيرها من الأمور التي تقاس بمدى التحكم في اللغة الانجليزية.
وبالحديث عن إدراجها في الطور الابتدائي يستلزم حتما الإشارة حول» كيفية الانتقال اللغوي» ومدى نجاعة هذا الانتقال كي يكون سلسا ولا يترك أيّ مخلفات ولا عقبات، لابد أن يكون وفق ضوابط علمية تشرف على العملية كفاءات جزائرية لها كلّ الإخلاص لبلدها من أجل إنجاح هذا الانتقال.
واستنادا إلى المكلف بالإعلام في النقابة الجزائرية لعمال التربية بن زهرير بلال :» لابد أن تكون هناك عملية تقييمية تقويمية بعد هذا الإدراج من أجل معرفة مواطن القوة لتعزيزها ومواطن الضعف لتصحيحها»، مقترحا أن تكون اللغة الانجليزية كلغة أجنبية أولى من أجل عدم إثقال كاهل التلاميذ بلغتين أجنبيتين، وليكون انتقال لغوي آمن، وأن يسند تدريسها لأهل الاختصاص الحاملين لشهادة ليسانس في الانجليزية، لأنّهم أولى بتخصّصهم من غيرهم، خاصة إذا علمنا أنّ هناك الآلاف من حاملي ليسانس لغة انجليزية، وبالتالي لن يشكل العامل البشري حاجزا أمام إدراجها، تبقى المناهج والكتب التي تتطلب تنصيب لجنة تأخذ على عاتقها هذا الجانب لإثرائه ثم إنجاحه.
توجه صريح
من جهتها، تنسيقية الإبتدائي قالت إنّ هناك توجّها صريحا نحو اللغة الانجليزية، وهي اللغة الأكثر تداولا في البحوث والعلوم والتكنولوجيا عالميا، في المقابل، اعتبرت تقليص ساعات الفرنسية، بمثابة انتقال بالجيل الحالي إلى انفتاح على العالم، والأمر يعتبر حتميا بعد الإجماع المجتمعي والدعوة الصريحة للأولياء الشركاء الاجتماعيين بضرورة التحرر من هذا الموروث، وإن كان غنيمة حرب، إلا أنه يبقى يحمل ألما تاريخيا وجرحا لدى أطياف المجتمع الجزائري.
ودعمت تنسيقية الإبتدائي التوجه إلى لغة جديدة يستفيد من خلالها التلميذ للاستعداد اللازم من أجل الاحتكاك بالجامعات الكبرى، فحتى الطلبة الفرنسيين يقدمون بحوثهم بالانجليزية، وهذا دليل على تطور اللغة المذكورة وتمددها أكثر من الفرنسية.
وقال الأمين الوطني بلال تلمساني، إنّ الوزارة مطالبة بضبط برامج جديدة مرتبطة باللغة وفتح مسابقة وطنية لتوظيف أساتذة مختصين إلى جدول زمني لا يتأثر التلميذ من خلاله في الموازنة بين المواد والحصص واللغات، فالأمر يحتاج لجان مختصة لأنّ هذه المقاربة خاصة بتلميذ لم يبلغ عشر سنوات ودرجة تركيزه متقطعة واستيعابه متفاوت من طفل لآخر، علينا الربط بين كل هذه الأمور للخروج بمحتوى وطني يخدم الطفل والأجيال القادمة عموما، ونسبة نجاح هذا الانفتاح تبقى كبيرة جدا لعدة عوامل سياسية اقتصادية، مجتمعية دينية وثقافية.
انفتاح على العالمية
من جهتها، استطلعت «الشعب» رأي بعض الأساتذة حول القرار، حيث قال الأستاذ شراطي عبد القادر، عضو المكتب الوطني الكاتب العام لتنسيقية أساتذة التعليم الابتدائي أنّ اللغة الإنجليزية لغة العلم حاليا بلا منازع، وثانيا عاطفيا مرتبطة بالعداوة التاريخية للغة الفرنسية كونها لغة المستدمر التي حلت عنوة محل اللغة الوطنية لتتحول ـ فعليا- إلى اللغة الأولى خاصة عند جلّ المتحدثين
وأضاف : « أمر تدريسها مع انطلاق الموسم الدراسي المقبل صعب لأسباب بيداغوجية موضوعية تتعلق بمرحلة حساسة في حياة الطفل وأيضا خصوصية الطور «، لأنّه من غير المعقول الحديث عن النشاط التدريسي للغة الانجليزية، قبل تأهيل العنصر البشري وتحضير المناهج وإعداد البرامج والكتب ونحن على بعد أيام عن الدخول المدرسي.
أما الفرنسية التي قال عنها رئيس الجمهورية «غنيمة حرب» انطلاقا من الخلفية والخصوصية التاريخية لها في الجزائر، فإنّها أيضا لغة التواصل والتفكير لدى شريحة محدودة من أبناء وطننا، هذا لا يمنع أن نعتبرها من بقايا وعبء استعماري، ونعمل على جعلها أسيرة حرب ونعطيها حجمها الحقيقي غير المبالغ فيه في منظومتنا التربوية وحياتنا ككل، فالواقع العالمي والدراسات تقول إنّ الفرنسية لغة ميتة قد هرمت وتضاءل دورها عالميا.
بدوره، الأستاذ مهاجر طارق، ثمّن قرار تدريس الإنجليزية في المدارس، ابتداء من هذا الموسم، تدريجيا بداية من السنة الثالثة، فقط حتى تعمم على السنوات الرابعة والخامسة مستقبلا وإعطاءها حجما ساعيا معتبرا، حتى يتمكن من ترسيخ التحكم فيها، شريطة أن يقوم أصحاب الاختصاص بتدريس هذه المادة ووضع منهاج تعليمي بما يتماشى مع المستوى الذهني للطفل الذي لم يتجاوز عمره 10سنوات كأقصى تقدير، مع الإبقاء على اللغة الفرنسية في هذا الطور بحجم ساعي أقل، فهذا المكسب سيترتب من خلاله فتح مناصب توظيف جديدة ويقلل من الضغط والحجم الساعي الواقع على كاهل أستاذ اللغة العربية.
وقال في السياق، إنّ الانجليزية لغة العلوم والتكنولوجيا ومن أجل ذلك علينا مواكبة تطورها وإتقان هذه اللغة التي تفتح لكلّ طالب علم آفاقا مستقبلية، حيث تعتمد جميع المباحث والمراجع العلمية تقريبا على اللغة الإنجليزية، وهنا يمكن القول إنّها مفتاح لتجاوز الصعوبات التي يتلقاها الطلبة أثناء ترجمتهم لهذه المراجع أثناء بحوثهم ودراساتهم التطبيقية والميدانية، مع العلم أنّ الجامعة الجزائرية قد استغنت عن اللغة الفرنسية وأصبحت تعتمد على اللغة الإنجليزية في تدريس محاضراتها.
وحول الفرنسية غنيمة حرب اعتبر الأستاذ، أنه واقع لا مفر منه إذ لا ننسى بأنّ المستعمر الفرنسي قد عمر ببلادنا 132 سنة وهذه اللغة أحد آثاره الرجعية، حيث عمل جاهدا على طمس اللغة العربية وتعويضها باللغة الفرنسية فكانت اللغة الرسمية الأولى طيلة فترة بقائه، ونحن اليوم بعد 60 سنة من استرجاع السيادة الوطنية، نرى بأنه آن الأوان من أجل استبدال لغة المستدمر الفرنسي بلغة حية يتداولها ويستعملها جلّ شعوب العالم.
وصرح الأستاذ عمر كوني، بخصوص تدريس الانجليزية، كلغة موازية للفرنسية حاليا وبديلة لها مستقبلا، تحت شعار التوجه نحو العالمية، تتطلب تضافر الجهود المادية والمعنوية داخل المؤسسة التعليمية، حيث يجب تغيير المصطلحات والرموز الرياضية من الناحية المادية، ما يتطلب إعادة طباعة العديد من المناهج والكتب التي لم يمر على طبعها سوى سنة، ممّا قد يكلف الخزينة العمومية مصاريف أكثر ضرورة استقطاب خبراء من أجل تدقيق المصطلحات وكيفية توظيفها وتوفير آليات من أجل توظيفها من طرف أساتذة الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية وأستاذة اللغة العربية في الابتدائي، مع تكوين المؤطرين من أساتذة ومفتشين خاصة في الابتدائي كون هذه اللغة جديدة في هذا الطور استحداث آليات من أجل ترغيب التلاميذ في هذه اللغة كون ثلث المجتمع كان يتعامل باللغة الفرنسية من قبل كلغة ثانية إما بعد العربية أو بعد الأمازيغية، ممّا قد يتطلب الكثير من الوقت، بالإضافة إلى توعية الأولياء بضرورة هذه الخطوة قبل اللجوء إليها كون الوليّ حلقة تعليمية خارجية للتلميذ.
الخطوة لاقت ترحيبا باعتبارها ضرورية من أجل الانفتاح على العالم ومواكبة التطور الحاصل، بالإضافة إلى كونها ليست لغة صعبة مفرداتها بسيطة الفهم ومشتركة مع العديد من اللغات الأخرى، تبقى بحاجة إلى آليات صحيحة لتطبيقها ميدانيا، وضمان نجاحها مستقبلا.