بإصدار المرسوم الرئاسي الذي يحدد فيه القانون الأساسي النموذجي للمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري التابعة للقطاع الاقتصادي للجيش الوطني الشعبي، عرفت الصناعة العسكرية الجزائرية تحولاً جوهرياً، إذ مكن المرسوم من استحداث مؤسسات عمومية ذات طابع صناعي وتجاري تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، تلحق في وصايتها إلى وزير الدفاع الوطني. وعليه، فإن تحويل مصانع الصناعات العسكرية إلى مؤسسات عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، كان بمثابة دعوة صريحة لتضافر جهود الجميع لدفع مسيرة التصنيع العسكري إلى مجالات أكثر تطورا.
كانت أهداف إنشاء هذه المؤسسات هي بناء قاعدة صناعية متكاملة للصناعات العسكرية، تكفل إقامة وإنماء وتطوير هذا المجال الحيوي وتتولى مسؤولية توفير احتياجات القوات المسلحة والقطاعات العسكرية الأخرى بالأسلحة والذخائر والصناعات المكملة والمساندة لها وبأيد وطنية، بالإضافة إلى الإسهام في إرساء دعائم النهضة الصناعية وتنويع الإنتاج الصناعي، وكذا نقل أحدث مستويات التقنية الصناعية واكتسابها والاستفادة من معطياتها في تطوير هذه الصناعة مع بناء قاعدة من القوى البشرية الوطنية القادرة على التعامل مع التقنية.
تموين إدارات وهيئات رسمية بمركبات جزائرية
هذه المؤسسات التي تستحدث لأول مرة، تضطلع بتلبية احتياجات الجيش الوطني الشعبي بالأولوية في ميدان نشاطها، ويمكن أن تستجيب بالموازاة مع ذلك لكل طلبات السوق الوطنية أو الدولية بصفة عامة، كلما سمحت الظروف بذلك، وتتكلف هذه المؤسسات أيضا بالمساهمة في تكوين صناعة دفاعية، وفي تلبية احتياجات الإسناد متعدد الأشكال للجيش الوطني الشعبي، إلى جانب مساهمتها في تعزيز قدرات الدفاع وتأهيلها وضمان نقل تكنولوجيا الدفاع وترقيتها والتحكم فيها.
الصناعة العسكرية.. أنموذج يحتذى به
«الصناعة العسكرية: رافعة اقتصادية للنهوض بالاقتصاد الوطني”، هكذا رافق وانبهر أكاديميون بتجربة الجيش الصناعية، وركزوا في تحليلات وأبحاث على تصور شمل تنمية هذا القطاع الحيوي، فانطلقت الصناعات الوطنية للدفاع بالموازاة مع إنجاز دراسات تقنية في مختلف فروع الصناعة العسكرية، ليتم تدعيم هذا القطاع تدريجيا بقدرات جديدة لإعادة البناء والتصنيع.
وظهرت المؤسسة العسكرية ذات الطابع الصناعي والتجاري كهيئة وزارية، لا تختلف عن باقي الوحدات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الوطني، لها تنظيم عسكري مركزي يخضع لنص قانوني خاص وسلطة رئاسية وهي مقيدة من حيث نشاطاتها المادية وتصرفاتها القانونية. فحسب المرسوم 56 -82، فإن إنشاء المؤسسة العسكرية ذات الطابع الصناعي والتجاري وتحديد مقرها وإعادة هيكلتها، لا يكون إلاّ بمرسوم وبقرار من وزير الدفاع الوطني باقتراح السلطة الوصية المفوضة، فيما يخص تنظيمها وأهدافها حسب المادة الثانية من قانونها الأساسي النموذجي.
صناعة المركبات.. نجاح
شرعت الشركة الجزائرية لصناعة السيارات من علامة “مرسيدس بنز” نشاطها بعد تدشينها في 24 أكتوبر 2014، بينما تعود فكرة إنشائها إلى سنة 2008، وهي عبارة عن شراكة ثلاثية تمثل الطرف الجزائري مع كل من شركة “آبار استثمار PJS” الإماراتية والشريك الألماني “دايملر” كشريك تكنولوجي.
وقد تمكنت الشركة منذ نشأتها من تطوير وتوسيع قدراتها الإنتاجية ومعها نسبة الإدماج. وتنتج الشركة الجزائرية لصناعة السيارات من علامة “مرسيدس بنز” حالياً المركبات النفعية وسيارات الإسعاف والعربات الخاصة، مثل تلك الموجهة لمكافحة الحرائق، كما للشركة فرع آخر على مستوى المنطقة الصناعية رويبة بالجزائر العاصمة، يُعنى بصناعة الشاحنات.
وينتج مصنع رويبة شاحنات ACTROS وZETROS وACCELO وغيرها من المنتجات التي يصل عددها الإجمالي إلى حوالي 30 مركبة.
يقول مسؤول بمديرية الصناعات العسكرية، خلال لقائه بمجلة “الشعب الاقتصادي”، في معرض الجزائر الدولي في طبعته 53، إن نسبة الإدماج ارتفعت بصفة معتبرة منذ انطلاق المصنع، خصوصا وأن إدارة الشركة تتجه نحو إنتاج “هياكل السيارات”. وبحسب ذات المتحدث، فقد ازداد الطلب بشكل كبير على العربات التي تصنعها الشركة، خاصة السيارات النفعية وسيارات نقل الأفراد وكذا سيارات نقل البضائع التي تلاقي رواجاً كبيراً هي الأخرى. ويؤكد الملازم الأول، أن الجزائرية لصناعة السيارات تعمل على تطوير تجهيزات المركبات، من حيث مكونات الراحة والشكل الخارجي لجعلها أكثر حداثة، على أن يتم هذا بالتعاون مع شريك جزائري.
للشركة العديد من المؤسسات الفرعية التي تؤدي مهام مختلفة، مثل الشركة الجزائرية لإنتاج الوزن الثقيل مرسيدس بنز، وAMS الجزائر، ومهمتها تسويق العربات المنتجة من طرف المؤسسة الجزائرية لصناعة المركبات ذات العلامة مرسيدس بنز، إضافة إلى مؤسسة تطوير صناعة السيارات، وهي مؤسسة مكلفة، عن طريق المؤسسة الجزائرية لصناعة المركبات ذات العلامة مرسيدس بنز والشركة الجزائرية لإنتاج الوزن الثقيل مرسيدس بنز، بضمان تصميم، دراسات، تطوير، إنتاج وتسويق السيارات النفعية والسيارات الخفيفة للأوعار “المناطق الوعرة” للعلامة الألمانية مرسيدس بنز، وكذلك دراسة وتطوير منتجاتها.
وتحوز الجزائرية لصناعة السيارات شركة فرعية أخرى وهي الشركة العريقة SNVI أو “سوناكوم”، التي باتت تابعة للجيش الوطني الشعبي. وتصنّع هذه الشركة شاحنات وحافلات “سوناكوم” وتلبي حاجيات مختلف المؤسسات الوطنية من المركبات.
ويؤكد المتحدث، أن الأداء الاقتصادي لـSNVI، التي عرفت في وقت مضى العديد من المشاكل المالية والتسييرية وحتى البشرية، تحسّن بشكل ملحوظ بعدما أُلحقت بمؤسسة الجيش الوطني الشعبي، يظهر ذلك جلياً من خلال المنتوجات الجديدة التي تصنعها وكذا التحسينات التي طرأت عليها، إضافة إلى عدد المركبات المنتجة والذي عرف تزايداً معتبرا. ويوضح ذات المتحدث، أن الطلب على عربات الشركة في ارتفاع مستمر وهي تلاقي استحساناً كبيراً من طرف مقتنيها، كما تعول على ترقية منتجاتها وتحسين جودتها للمحافظة على مكانتها الرفيعة في سوق المنافسة.
البناء والتصليح البحريان
من جانبها، عرضت مؤسسة البناء والتصليح البحريين التابعة لمؤسسة الجيش الوطني الشعبي، خلال مشاركتها في معرض الجزائر الدولي في طبعته 53، مجموعة من المجسمات التي تم بناؤها على مستوى المؤسسة بفرعيها الكائنين بولاية عنابة وبني صاف في ولاية عين تموشنت. وتصنع المؤسسة الزوارق الخدماتية الموجهة للعمل على مستوى الموانئ الجزائرية والمصالح المينائية، إضافة إلى زوارق الإنقاذ وقوارب نصف صلبة والزوارق الخاصة بحرس السواحل والموجهة للعمل على مستوى قيادة القوات البحرية الجزائرية بواجهاتها الثلاث. وأكد إطار بمؤسسة البناء والتصليح البحريين لـ “الشعب”، أن المؤسسة التي توفر منتجاتها للمتعاملين الخواص والعموميين على حد سواء، تواكب التطورات التكنولوجية الحاصلة في مجال بناء وتصليح السفن، من حيث الأجهزة المستعملة على تقنيات البناء وكل هذا يتم بسواعد جزائرية مائة بالمائة.
من جهة أخرى، يوضح إطار آخر بمؤسسة البناء والتصليح البحريين، أن المؤسسة تنتج حالياً ستة نماذج بحرية، بين تلك الموجهة للمصالح المينائية المدنية والعسكرية. وتتكفل المؤسسة بكل مراحل الإنجاز، بدءًا بإعداد التصاميم، مروراً إلى مرحلة بناء الهيكل وتلحيمه في الورشات، وصولاً إلى مرحلة تجهيز الزوارق بالأجهزة والمعدات اللازمة، كالرادارات وأجهزة الرفع ومختلف أنواع المحركات، ثم المحطة الأخيرة وهي المرحلة التجريبية، حيث يُعوم النموذج المنجز ويتم التأكد من كل القياسات، وتجرب مختلف الأجهزة والمحركات التي ينبغي أن تعمل وفق معايير الجودة الضرورية، قبل أن يسلم إلى الزبون أو المتعامل النهائي.
أما من ناحية مدى قدرة مؤسسة البناء والتصليح البحريين التابعة لمؤسسة الجيش الوطني الشعبي على منافسة مختلف المتعاملين الوطنيين والعلامات الأجنبية، فإن استراتيجية المؤسسة ترتكز أساساً على البحث المستمر عن أسواق وشراكات مع متعاملين اقتصاديين عموميين أو خواص، إضافة إلى العمل الحثيث على الرفع من نسبة الإدماج، مما يساهم في تطوير الأداء الاقتصادي للمؤسسة. زيادة على هذا، تعمل الشركة بصفة مستمرة على مواكبة الحداثة التكنولوجية في مجال الصناعة البحرية، من خلال الاستفادة من تراكم الخبرات لدى إطاراتها وكذا تكوين الأطقم البشرية العاملة في مختلف الورشات، وقد أتت هذه الترقية المستمرة لمنتجات المؤسسة أكلها، حيث شهد الطلب على زوارقها وقواربها تزايدا مستمراً.
تجديد وعصرنة ورفع نسبة الإدماج
ولأن لكل عتاد عمرا حركيا معينا، خصصت الصناعة العسكرية الجزائرية مؤسسة خاصة تعنى بتجديد عتاد السيارات وهي تابعة للمديرية المركزية للعتاد، وتتمثل المهمة الرئيسية للمؤسسة في تجديد العتاد العسكري وعتاد الأشغال العمومية بمختلف أنواعه وعصرنته، كما تنتج وحداتها قطع الغيار المخصصة لتغذية سلاسل التجديد للعتاد التابع لها، كما تقوم أيضا بإنجاز غرف صحراوية تستعمل كقاعات للتدريس ومطاعم ومراقد للأفراد أو كنواد.
لمؤسسة تجديد عتاد السيارات مهام أخرى، تتمثل أساسا في إنجاز غرف التبريد بمختلف الأحجام، بدءاً بـ30 مترا مربعا، وصولاً إلى غرف ذات 100 متر مكعب، وهي مقسمة إلى قسمين؛ قسم سالب وآخر موجب. إلى جانب هذا تنتج المؤسسة حاويات للتبريد عن طريق استرجاع القديمة منها وتحويلها إلى حاويات تبريد ذات حجم 20 و40 قدما.
في هذا الصدد، يقول مسؤول بالمؤسسة لـ “الشعب”، إن مهمتها تتمثل في تجديد العتاد، غير أنها تعمل أيضا على عصرنته. والعصرنة في مفهومها العام هي إدخال كل ما هو جديد على الأجهزة القديمة وإعطاء نفس جديد يواكب التطورات التكنولوجية الحاصلة، والمتابعة الدائمة لكل ما هو موجود في السوق بغية ضمان الديمومة والفعالية لعمل مركباتنا”.
حرص وتوجيهات السلطات العليا
حرصاً وضماناً للفعالية والرقي المستمر للصناعة العسكرية الجزائرية، سبق لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول السعيد شنقريحة، أن شدد على ضرورة توسيع دائرة اهتمامات الصناعة العسكرية، لتشمل احتياجات الجيش والأسلاك المشتركة والسوق المحلية وكذا ولوج الأسواق الإقليمية والدولية، إضافة إلى تأكيده على الأهمية القصوى التي توليها القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي لقطاع الصناعات العسكرية في البلاد، سواء تعلق الأمر بصناعة الأسلحة والذخائر أو بالصناعات الميكانيكية والعربات العسكرية أو بالألبسة وبمختلف الأغراض العسكرية والتي تمثل مشهدا آخر من مشاهد العمل الميداني الرصين المبني على رؤية استشرافية بعيدة النظر.
في ذات السياق، سبق للفريق أول السعيد شنقريحة وأن أكد في أحد تصريحاته على أن تحقيق النوعية من المنتجات الصناعية العسكرية يتم شريطة الحرص على جودتها ومطابقتها للمعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال، فضلا عن اعتماد الشفافية وأحدث طرق التسيير العصرية، والرفع من نسبة الإدماج، التي تضمن لنا المنافسة مع المنتوجات الأخرى، فيما يخص الجودة والأسعار، انطلاقا من التكلفة المعقولة للمواد الأولية التي تتوفر عليها بلادنا، وكذا توفر اليد العاملة المؤهلة. كما أبرز رئيس الأركان “الحرص الشديد” الذي يوليه لتقييم الخطوات المقطوعة في مجال الصناعات العسكرية بكافة فروعها وتخصصاتها وبكل موضوعية وتجرد بالقول: “يأتي حرصنا على تقييم الخطوات المقطوعة في هذا المجال، بكل موضوعية وتجرد، لأننا ورغم تقديرنا وتثميننا للإنجازات المحققة إلى غاية الآن، في هذا المجال الهام، إلاّ أننا نعتقد أنه بإمكاننا تحقيق المزيد من الإنجازات، إذا ما تم الاستغلال الأمثل والاستعمال الأوفى لمخزون الطاقات البشرية، التي تتوفر عليه مديرية الصناعات العسكرية، وإذا ما استطاعت المؤسسات الصناعية أن توظف كما ينبغي الوسائل والتجهيزات الموجودة في الحوزة، فبذلك ستنجح، لا محالة، في تحقيق الأهداف المنتظرة منها”.