يأتي الاحتفال باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، في سياق خاص، تميزه حالة التلاحم النادرة المعروفة بـ“رابطة جيش- أمة”، وإثر نتائج باهرة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وحماية الحدود والأمن القومي.
تخلد الجزائر رسميا ولأول مرة، تحول تسمية جيش التحرير الوطني، إلى الجيش الوطني الشعبي. كان ذلك في 4 أوت 1962، أي بعد 30 يوما من استرجاع السيادة الوطنية وهزيمة الاستعمار الفرنسي.
بعد ستين سنة، يقر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني، هذه المناسبة إلى يوم وطني، يحتفى به كل سنة، بتظاهرات ونشاطات داخل مكونات الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني.
والاحتفاء بالذكرى، يحيل مباشرة إلى الجذور التاريخية للجيش الجزائري ونواة تشكيله، ويقود إلى استعراض مسيرة مشرفة طيلة العقود الستة الماضية.
في السياق، قال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في آخر مقابلة إعلامية له، الأحد، إن منبت الجيش الوطني الشعبي ومكانته لدى الشعب معروفة، “فنحن الدولة الوحيدة التي نالت استقلالها بالسلاح، ولا شيء سواه، ولم يتصدق عليها أحد بالاستقلال”. وأكد أن الاستعراضات العسكرية التي كانت تقيمها الجزائر بمناسبة عيدي الاستقلال والشباب، كانت تقليدا يخلد “روح التضحية والوفاء للشهداء”، من قبل الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني. وإلى جانب شرف التاريخ، يملك الجيش الوطني الشعبي “شرف العقيدة القتالية”، فهو “جيش مسالم، لم يسبق وأن اعتدى على أي دولة أخرى، وأول جيش يحترم مبادئ ومواثيق الأمم المتحدة” يؤكد رئيس الجمهورية.
الامتداد التاريخي والشعبي للجيش الوطني الشعبي، دائما ما كان السمة التي تميزه عن باقي الجيوش.
في السياق، لا يغفل رئيس مجلس الأمة، المجاهد صالح قوجيل، كلما أتى على ذكر الجيش، عن القول: “سليل جيش التحرير الوطني بحق وجدارة”.
الشعب الجزائري، أثبت مدى إدراكه لقيمة “جيشه”، ففي أحلك الظروف وأكثر المواقف صعوبة، لم يفوت أدنى فرصة للاحتفاء به والتأكيد على الرابطة التي تجمعهما.
“الجيش-الشعب.. خاوة خاوة”
وفي أقوى حرب إلكترونية تشن على الجزائر، في الفترة ما بين 2019 و2022، حيث تولت ملايين الخوارزميات شن حملات عنيفة ضد مؤسسات السيادة الجزائرية والطعن في كل شيء، صدح الجزائريون في الشوارع والساحات وعلى مواقع التواصل بشعار: “شعب- جيش خاوة… خاوة”.
ومن الشواهد القوية على هذه الرابطة المقدسة، الاستعراض العسكرية الأخير، الذي أقيم بمناسبة ستينية الاستقلال، تحت أنظار الآلاف من الجزائريين الذين اصطفوا على أرصفة ساحة الاستعراض، والملايين الذين تحلّقوا أمام شاشات التلفاز. الاستعراض ساهم بشكل باهر في رفع الروح المعنوية للشعب الجزائري، وقدم في المقابل دلالات بالغة الدقة، عبر عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في رسالة التهنئة التي بعث بها للفريق أول، السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي. رسالة ينبغي التقاطها من الاستعراض الناجح، مفادها “افتخار واعتزاز الجزائريين بجيشهم”. وقد شدد الرئيس تبون، الأحد الماضي، على أن “جزائر ما بعد الاستعراض ليست جزائر ما قبله”.
وإلى جانب ترسيخ رابطة “جيش- أمة”، أكد الجيش الوطني الشعبي، بلوغه مستوى عاليا من التطور والعصرنة والاحترافية والجاهزية، والتحكم في استخدام الأسلحة الحربية بشكل احترافي مبهر وبجميع قواته، وظهر ذلك في تمارين التحضير القتالي السنوية، خاصة تلك التي تستخدم أداء عملياتيا مدمجا.
وطني يحسب له ألف حساب
وسبق لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول السعيد شنقريحة، أن أكد في أزيد من مناسبة، على القدرات القتالية ونوعية التكوين التي يحوزها أفراد الجيش الوطني الشعبي، ما يجعل منهم “مقاتلين يُحسب لهم ألف حساب”.
وقال في كلمة له، بالقطاع الجنوبي بتندوف، شهر جوان الماضي: “يحوز الجيش الوطني الشعبي على مورد بشري متفرّد، يملك من الخصائص النفسية والمعنوية ما يؤهله لأن يكون من أفضل المقاتلين الذين يحسب لهم ألف حساب، وذلك بحكم الرصيد التاريخي للإنسان الجزائري الحافل بالبطولات والأمجاد عبر العصور، وبحكم كذلك ترسخ أفكار العزة والإباء والحرية في ضميره الجمعي”.
على صعيد آخر، يمتلك الجيش الجزائري عقيدة قتالية نبيلة، فهو مدافع عن الاستقلال والسيادة الوطنية والوحدة الترابية، وهو دائما في خدمة شعبه وفي حمايته.
تتجلى هذه العقيدة، في قَسَم تخرّج الدفعات من مختلف المدارس لمختلف القوات، حيث يصدح المتخرجون بالقول: “أقسم بالله العظيم، أن أكون الخادم الوفيّ لبلدي، أن أخلد تقاليد شهدائنا الأمجاد، أن أحترم القوانين والنُّظم، أن أكون صالحا في سلوكي، أن أحافظ على الأسرار التي أتعرّف عليها أثناء القيام بوظائفي، وأن أصون المصالح العليا للأمة في كل الظروف”.
حفظ الأمانة وصون الوديعة
الجيش الوطني الشعبي، أثبت جدارته في حفظ الأمانة وصيانة الوديعة، بدليل أنه لم يُضِعْ شبرا واحدا من التراب الوطني. وتظهر حصيلته العملياتية شهريا أو سنويا، دوره الدائم في صيانة الأمن القومي والوطني، بدك شبكات التهريب والجريمة المنظمة، بحجز ملايين الأطنان من السموم والمخدرات وحتى الأسلحة.
وإلى جانب تأمين حدود شاسعة ومهما تنوعت تضاريسها الجغرافية، اضطلع الجيش الوطني الشعبي، بمكافحة الإرهاب واستئصاله من جذوره من كل مناطق الوطن، حيث كللت جهوده هذه السنة بالقضاء على آخر وأخطر المجموعات الإرهابية النشطة على طول الشريط الساحلي. وتؤكد القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، في كل مناسبة، أن “الجيش سيظل جمهوريا، ملتزما بالدفاع عن السيادة الوطنية وحرمة التراب الوطني، حافظا للاستقلال ولا يحيد عن القيام بمهامه الدستورية، مهما كانت الظروف”.